بوجوده هناك وقلنا إنّهم لا يعلمون بوجوده هل يجوز حينئذ أن يقال : إنّ قولنا لا يعلمون لا يشمل الأوّل أو لا مورد له في الثاني.
ومن المعلوم أنّه لا مجال لإنكار الشمول بعد معلوميّة وجوده وحكم وجداننا بشموله إذ كلّهم لا يعلمون بوجود الشيء المذكور ودعوى ظهوره في الثالث لا مجال لها وهكذا نقول في المقام أنّ قول الشارع من باب الامتنان على الأمّة الذين يختلفون في إدراك الواقع إذ يشكّ بعضهم ويجهل به ويعلم بعضهم بعدم شيء في الواقع وتقوم الأمارة أو الطرق على عدمه في الواقع لبعض آخر في قبال بعض يدرك الواقع ويصل إليه رفع عن أمّتي ما لا يعلمون يشمل جميع الأصناف عدا من أدرك الواقع ووصل إليه كما هو مقتضى تعميم الامتنان ولا وجه لتخصيصه ببعض دون بعض مع إطلاق الكلام كما لا وجه لدعوى الظهور والانصراف لأنّه بدويّ.
ولكنّ التحقيق أنّ لازم ما ذكر هو جريان حديث الرفع مع الأمارات سواء خالفت الواقع أو وافقته لأنّ بقيام الأمارات لا يحصل العلم الحقيقيّ بالواقع فالواقع غير معلوم وهو يجتمع مع قيام الأمارات.
ومقتضاه هو رفع الأحكام الواقعيّة بعدم فعليّة موجبها وهو أغراضها وهو يناقض مع الأمارات الدالّة على وجود الأحكام الواقعيّة وهو ضروريّ البطلان ولم يقل به أحد وخلاف ما التزم به الأصحاب من عدم جريان الأصل عند قيام الأمارات ولو بملاكه وذلك ناشئ من جعل الموضوع في حديث الرفع هو عدم العلم حقيقة مع أنّ الموافق للتحقيق هو أنّ المراد من عدم العلم المأخوذ موضوعا في لسان أدلّة البراءة هو عدم الحجّة وعليه فيكون مفاد قوله رفع ما لا يعلمون رفع ما لا حجّة عليه سواء كانت موافقة أو مخالفة فلا يشمل مورد قيام الأمارات مطلقا سواء كانت موافقة للواقع أو مخالفة له لأنّ بقيامها قامت الحجّة فلا يبقى موضوع له وعليه فيختص مورد البراءة بما إذا كان المشكوك غير معلوم بنفسه أو مجهولا حاله برأسه