أنّ الأقوى عدم الإجزاء في حقّ المقلّد سواء استند مقلّده (بالفتح) إلى الاصول أم إلى الأمارات فإنّ مدرك العاميّ في الحكم الذي طبق عمله على وفقه إنّما هو رأي مرجعه وحكمه وهو أمارة إلى تكاليفه الشرعيّة وقد أوضحنا في مسألة الإجزاء أنّ قيام الحجّة على تخلّف الأمارة لا يوجب الإجزاء.
وإن شئت قلت : إنّ مدرك حكمه ليست الاصول الحكميّة من البراءة والاستصحاب والأمارات والروايات الواردة في حكم المسألة إذ هي متوجّهة إلى الشاكّ والعاميّ ليس بشاكّ ولا بمتيقّن فلا معنى لتوجّه تلك الخطابات إليه إذ هي تقصد من تفحّص عن موارد البيان ويئس عن وروده والعاميّ ليس كذلك ومعه كيف يشمله أدلّة الاصول فلا يجري في حقّه الاصول حتّى تحرز مصداق المأمور به.
وكون الدليل عند المجتهد في موارد الشكّ هي الاصول الجارية لا يوجب ركون المقلّد إليها بل إنّما هي يركن إلى رأي المجتهد للبناء العمليّ والارتكاز الفطريّ من غير توجّه إلى مدركه (١).
وفيه أوّلا أنّ الشاكّ والمتيقّن والقادر على التفحّص عن موارد البيان لا يختصّ بالمفتي إذ كثير ممّن لم يبلغ الاجتهاد من الطلّاب والفضلاء يكونون كذلك ومع كونهم كذلك كيف لا يكونون مجرى الاصول والأمارات مع تحقّق موضوعها.
وثانيا إنّ المجتهد نائب عن المقلّد والخطاب إليه بملاحظة المنوب عنه إذ ربّما لا ابتلاء له بالعمل بها فالخطاب بترتيب الأثر باعتبار المقلّدين الذين يكون نائبا عنهم.
وعليه فما استدلّ به في المسألة لا يختصّ به بل جار في حقّ المنوب عنه أيضا فلا وجه لعدم جريان التفصيل في المقام على هذا القول فتأمّل.
وكيف كان فقد عرفت أنّ مقتضى القول بالإجزاء في الأمارات والاصول هو
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ٢ / ٥٩٣.