الجهة الثالثة : في إجزاء عمل المقلّد عند الرجوع عن الميّت إلى الحيّ أو عند عدوله من الحيّ إلى الحيّ.
ولا يخفى عليك أنّ مقتضى ظهور أدلّة اعتبار الفتاوى كأدلّة اعتبار الأخبار والأمارات في الاكتفاء بها في مقام الامتثال للتكاليف الواقعيّة هو سقوط الأمر الواقعيّ المتوجّه إلى الطبيعة بالإتيان بما أفتى به الميّت في حال حياته ومع سقوط الأمر الواقعيّ المتوجّه إلى الطبيعة لا مجال للإعادة في الوقت ولا للقضاء في خارجه وإن كان متعلّق الرأي المجتهد الثاني كمتعلّق الخبر مطلقا فإنّ الرأي المجتهد الثاني يفيد فيما لم يمتثل لا في ما امتثل والمفروض هو حجّيّة الرأي الأوّل في ظرفها ومقتضى حجّيّتها في ظرفها هو حكومتها بأدلّة اعتبارها بالنسبة إلى الأدلّة الأوّليّة ومقتضى الحكومة هو سقوط الأمر الواقعيّ بإتيان العمل طبقا لها فلا يبقى الأمر الواقعيّ حتّى تدلّ الحجّة الثانية على الإتيان في الوقت أو القضاء في خارجه.
هذا مضافا إلى الإطلاق المقاميّ في مطلقات أدلّة اعتبار الفتاوى مع شيوع العدول عن الميّت إلى الحيّ أو من الحيّ إلى الحيّ فإنّ مقتضى الإطلاق المذكور مع شيوع مخالفة الفتاوى بعضها مع بعض أحيانا هو اعتبارها كاعتبار الأخبار المتعارضة فكما أنّ مقتضى إطلاق أدلّة اعتبار الخبرين المتعارضين والحكم بالتخيير هو الحكم بالاجتزاء إذا عمل بكلّ واحد منهما فكذلك مقتضى إطلاق أدلّة اعتبار الفتاوى المختلفة هو الاجتزاء بكلّ واحد منهما إذا عمل به.
لا يقال كما في المحاضرات إذا عدل عن مجتهد لأحد موجبات العدول إلى مجتهد آخر وكان مخالفا له في الفتوى وجبت عليه إعادة الأعمال الماضية فإنّ عمدة الدليل على حجّيّتها إنّما هي السيرة العقلائيّة الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم وقد تقدّم أنّ القول بالسببيّة يقوم على أساس جعل المؤدّى ومن الطبيعي أنّه ليس في السيرة