وممّا ذكر يظهر ما في مناهج الوصول ، حيث أورد على التمسّك بالإطلاق بأنّ ما قيل من أنّ الإطلاق يدفع القيد الزائد فغير تامّ ، لأنّ كلّا من النفسيّة والغيريّة متقدّم بقيد زائد على فرض كون البعث موضوعا لجامعهما ، مع أنّه خلاف التحقيق (١).
لما عرفت من أنّ المحتاج إلى المئونة الزائدة هو التقييد لا الإطلاق ، سواء قلنا بالإطلاق الأحواليّ أو الإطلاق من ناحية الداعي أو الإطلاق المفهوميّ ؛ إذ منشأ النفسيّة هو عدم تقييد البعث بانبعاثه عن داع آخر غير الواجب لا تقييد البعث بعدم ملاحظة انبعاثه عن داع آخر حتّى يحتاج إلى المئونة كالغيريّة التي هي تقييد البعث يكون انبعاثه عن داع آخر غير الواجب.
نعم ، لا يصحّ القول بأنّ البعث يكون موضوعا للمفهوم الجامع ، كما ذهب إليه صاحب الكفاية ، لما عرفت في محلّه من أنّ معاني الصيغ الإنشائيّة كالمعاني الحرفيّة جزئيّة لا كلّيّة ، ولكن كذلك لا ينافي جزئيّتها لإطلاقها من جهة الأحوال أو الدواعي ، فالتمسّك بإطلاق الهيئة من جهة الأحوال أو من جهة الداعي لا مانع منه.
ثمّ إنّ الظاهر من كلام سيّدنا الإمام قدسسره أنّه أخذ بالظهور الانصرافيّ الناشئ من كثرة استعمال الهيئة في ما ينتزع منه النفسيّ دون ما ينتزع منه الغيريّ.
حيث قال : ثمّ إذا شككنا في واجب بأنّه نفسيّ أو غيريّ يحمل على النفسيّ لأجل الانصراف كما لا يبعد ، لا بمعنى انصراف جامع إلى أحد أقسامه ، فإنّ التحقيق أنّ الموضوع له في الهيئة خاصّ وأنّها في النفسيّ والغيريّ لا تستعمل إلّا استعمالا إيجاديّا لنفس البعث والإغراء. والنفسيّة والغيريّة انتزاعيّتان لا من مقوّماته ، بل لمّا كان البعث لأجل الغير نادرا لا يعتني باحتماله العقلاء.
ويمكن أن يقال : إنّ البعث المتعلّق بشيء حجّة على العبد ولا يجوز التقاعد عن
__________________
(١) مناهج الوصول : ١ / ٣٧٢.