الإتيان بالأقلّ المعلوم وجريان البراءة في الزائد المشكوك مع أنّ وجوب الأقلّ مردّد بين كونه نفسيّا أو غيريّا ، والمقام من هذا القبيل بلا فرق كما هو واضح ؛ نعم ، لو لم يكن الواجب الآخر على فرض احتمال كون المشكوك واجبا غيريّا واجبا فعليّا فلا يجب إتيان الواجب المردّد وجوبه لعدم العلم بواجب فعليّ على ذلك الفرض ، وما ذكرنا من التفصيل هو الظاهر من عبارة الكفاية ، ولكن بعض الأعاظم (قدسسرهم) نسب إليه جريان البراءة في النحو الأوّل وأشكل عليه بما ذكرنا ، ولكنّه ليس كذلك ؛ إذ الظاهر منه ـ كما أشرنا إليه ـ اختصاص البراءة بالنحو الثاني ، فراجع (١).
توضيح ذلك أنّ الصورة الثالثة المردّدة بين وجوب الأقلّ وهو الوضوء وبين وجوب الأكثر وهو الوضوء مع وجوب الصلاة المتقيّدة بالوضوء يدور أمرها بين الأقلّ والأكثر ؛ فالأقلّ وهو الوضوء معلوم الوجوب في الجملة سواء كانت الصلاة المتقيّدة بالوضوء واجبة أم لا ، كما أنّ في الصورة الاولى أيضا يكون الوضوء معلوم الوجوب سواء كانت الصلاة المعلوم وجوبها متقيّدة بالوضوء أم لم تكن وإنّما الفرق بينهما في أنّ وجوب الصلاة معلوم في الصورة الاولى دون الصورة الثالثة فإنّه محتمل. وعليه يجتمع العلم بالوضوء مع الشكّ في وجوب الصلاة المتقيّدة به في الصورة الثالثة كما اجتمع العلم بوجوب الوضوء مع الشكّ في تقييد الصلاة المعلوم وجوبها بالوضوء وعدمه ، ولا مجال للبراءة في الأقلّ المعلوم وجوبه بعد فعليّة خطابه أو خطاب الأكثر لو كان واجبا في الواقع ، فيجب الأقلّ كما هو المقرّر في كلّ مورد دار أمره بين الأقلّ والأكثر ، ودوران الأمر في الأقلّ بين النفسيّة والغيريّة لا يضرّ في المقام ، كما لا يضرّ في غير المقام.
ويقرّب منه ما حكي عن المحقّق النائيني قدسسره من أنّ القسم الثالث ما إذا علم
__________________
(١) بدائع الافكار : ١ / ٣٧٤.