وربّما يقال بأنّ الأعمال الحسنة تقتضي صورا ملائمة للفاعل في الدار الآخرة ، والأعمال السيّئة تقتضي صورا منافرة ، فالفاعل يستحقّ لصور أعماله.
قال المحقّق الأصفهانيّ قدسسره : والاستحقاق حينئذ بمعنى اقتضاء المادّة القابلة لإفاضة الصور ؛ فكما نعبّر في المادّة الدنيويّة وصورها بأنّ المادّة الكذائيّة بعد تمام قابليّتها مستعدّة ومستحقّة لإفاضة صور كذائيّة ، كذلك الصور الدنيويّة موادّ للصور الأخرويّة ، فصحّ التعبير بالاستحقاق أيضا (١).
يرد عليه ما أورده سيّدنا الإمام قدسسره من أنّ الاستحقاق واللّااستحقاق يكون بمعنى غير ما هو المعروف لدى الناس (٢).
فتحصّل أنّ الاستحقاق بمعناه المعروف عقليّ في ناحية العصيان والمخالفة دون ناحية الإطاعة ؛ فمن عصى المولى استحقّ العقوبة بحكم العقل لأنّه خرج عن آداب العبوديّة ، هذا بخلاف من أطاع فإنّه أتى بما هو وظيفة العبوديّة ولم يستحقّ عقلا للثواب. نعم ، حصل له بذلك أهليّة ، بحيث يكون مدحه والثواب على إطاعته في محلّه ، وأيضا حيث إنّ المولى جعل الثواب للمطيع ، كما تقتضيه قاعدة اللّطف ، فإذا أطاع العبد استحقّ الثواب بسبب جعله تعالى كما لا يخفى.
التنبيه الثاني : في استحقاق الثواب والعقاب في الواجبات والمحرّمات الغيريّة بعد فرض ثبوتهما في الواجبات والمحرّمات النفسيّة.
ولا إشكال فيها بناء على الجعل مبنيّا على قاعدة اللطف لتأكيد الدعوة في نفوس العامّة ، فإنّ الثواب والعقاب حينئذ تابع للجعل ، مثل ما ورد في المشي إلى إقامة الصلاة في المساجد أو ما ورد في الثواب على كلّ خطوة لزيارة مولانا الحسين عليهالسلام.
ولقد أفاد وأجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره حيث قال : وبناء على مسلك الجعل
__________________
(١) نهاية الدراية : ١ / ٣٣٣.
(٢) مناهج الوصول : ١ / ٣٧٨.