يقع منه إلّا الإيمان في مدّة عمره في الدنيا ، فليس جعل الخلود له إلّا للاكتفاء بقصده ونيّته ، خلافا للكافر الذي كفر ولم ينو الايمان إلى الأبد. بل من هذا الباب أيضا جعل الثواب على الاحتياط مع أنّه لا يوافق الواقع كثيرا ما ، فليس الثواب على كلّ تقدير إلّا من باب الانقياد ، انتهى.
ولكن لا يخفى أنّ استحقاق الثواب بالمعنى المذكور غير الاستحقاق بالمعنى الذي يكون تركه ظلما وقبيحا ، والذي نفاه القوم هو الثاني دون الأوّل.
ولذلك قال سيّدنا الإمام قدسسره : وظنّي أنّهم خلطوا بين الاستحقاق وممدوحيّة العبد ، بمعنى إدراك العقل صفاء نفسه وكونه بصدد إطاعة أمره وكونه ذا ملكة فاضلة وسريرة حسنة ، ضرورة أنّ الآتي بالمقدّمات مع عدم توفيقه لإتيان ذي المقدّمة ممدوح لا مستحقّ للاجر بالمعنى المتقدّم (١).
فتحصّل أنّ الاستحقاق للثواب بمعناه المعروف لا مجال له في الواجبات الغيريّة ولو قلنا به في الواجبات النفسيّة ، نعم يتصوّر الاستحقاق بمعنى أهليّة المدح والثواب في الواجبات النفسيّة والغيريّة وان لم نقل بالاستحقاق للثواب بمعناه المعروف في كليهما.
فمن ذهب إلى استحقاق الثواب بمعناه المعروف في الواجبات النفسيّة فأتى بالمقدّمات بقصد التوصّل إلى الواجب النفسيّ ، فإن لم يتمكّن من الواجب النفسيّ فله أهليّة المدح والثواب للإتيان بالمقدّمات ، وإن تمكّن منه وأتى به فله ثواب لواجب النفسيّ مضافا إلى ثواب أهليّة المدح والثواب لمقدّمات ، فلا تغفل.
التنبيه الثالث : في الإشكال ودفعه في الطهارات الثلاث
أمّا الأوّل ، أي الإشكال ، فهو أنّه إذا كانت موافقة الأمر الغيريّ لا توجب قربا
__________________
(١) مناهج الوصول : ١ / ٣٨٠.