ولا مثوبة على امتثاله لخلوّه نفسا عمّا يصلح لهما ، فكيف حال بعض المقدّمات كالطهارات الثلاث التي لا شبهة في مقرّبيّتها وترتّب المثوبة عليها ، بل عدم صحّتها لو لم تؤت بقصد القربة ، مع أنّ الأمر الغيريّ لا شبهة في كونه توصّليّا.
فما منشأ عباديّة الطهارات الثلاث فإن كان هو الأمر النفسيّ المتعلّق بذواتها
ففيه ، أوّلا : أنّه لا يتمّ في خصوص التيمّم لعدم كونه مستحبّا نفسيّا.
وثانيا : أنّ الأمر النفسيّ الاستحبابي لا يبقى مع عروض الأمر الوجوبيّ الغيريّ لتضادّهما ، فينعدم الأمر النفسيّ الاستحبابي بعروض الأمر الوجوبيّ الغيريّ.
وثالثا : أنّ الاستحباب النفسيّ لا يساعد مع القول بكفاية إتيان الطهارات الثلاث بقصد امرها الغيريّ من دون التفات إلى أمرها النفسيّ ورجحانها.
وإن كان منشأ عباديّة الطهارات الثلاث هو الأمر الغيريّ المتوجّه اليها لزم الدور ، لأنّ الأمر الغيريّ يتوقّف على عباديّتها ، والمفروض أنّ عباديّتها متوقّفة على الأمر الغيريّ المتوجّه إليه. وعليه فكلّ من الأمر الغيريّ والعباديّة يتوقّف على صاحبه.
وأمّا الثاني : أي الدفع ، فعلى تقدير كون المنشأ هو الأمر النفسيّ ، فبأن يقال : أوّلا ـ كما في بدائع الأفكار ـ : إنّ التيمّم أيضا مستحبّ نفسيّ لإطلاق قوله عليهالسلام : «التيمّم أحد الطهورين». وفيه أنّ الاستحباب النفسيّ في التيمّم بل أخويه محلّ إشكال.
وثانيا : ـ كما في نهاية الدراية ـ : (١) اختلاف الوجوب والاستحباب ليس إلّا في حدّ الرجحان والإرادة ؛ بمعنى أن مقوّم خصوصيّة الوجوب هو شدّة الإرادة ومقوّم خصوصيّة الاستحباب هو ضعفها ، فأصل الإرادة والرجحان متحقّق فيهما
__________________
(١) نهاية الدراية : ١ / ٣٣٨ وبدائع الأفكار : ١ / ٣٨٠.