تنحلّ جميع الشبهات المتقدّمة ، لأنّ ترتّب الثواب لأجل إتيانها على وجه العبوديّة وشبهة الدور إنّما تردّ لو قلنا بأنّ عباديّتها موقوفة على الأمر الغيريّ (١).
وفيه : أنّ مقصود صاحب بدائع الأفكار هو الغفلة عن عباديّة الطهارات الثلاث بنفسها لا إتيانها بقصد التوصّل إلى إحدى الغايات متقرّبا إلى الله ؛ فما ارتكز المتشرّعة على الخلاف هو ما إذا أتى بالطهارات من دون قصد القربة رأسا ، وكيف كان فهذا كلّه بناء على ثبوت الاستحباب النفسيّ في الطهارات الثلاث وكونه منشأ لعباديّة الطهارات ، وقد عرفت أنّه لا يخلو عن الإشكال من جهة الإشكال في استحباب النفسيّ في التيمّم بل أخويه ، ولا يساعده الاكتفاء بقصد أمرها الغيريّ من دون التفات إلى استحبابها النفسيّ.
وأمّا على تقدير عدم ثبوت الاستحباب النفسيّ كما هو الظاهر ، فدفع الإشكال كما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد فبأن يقال : إنّ عباديّة الطهارات الثلاث من جهة قصد التوصّل بها إلى غاياتها لا من جهة قصد الأمر الغيريّ حتّى يدّعى أنّه يلزم الدور. ويجاب عنه بوجوه إذ لا أثر لذلك في كلماتهم مع أنّه لو كان قصد الأمر الغيريّ دخيلا في عباديّتها لزم بعباديّة الطهارات الثلاث ، من لم يقل بوجوب المقدّمات شرعا ولم ير الاستحباب النفسيّ للطهارات الثلاث ، مع أنّ مسألة عباديّة الطهارات الثلاث اتفاقيّة ، وعليه ، فإذا لم تكن تلك الطهارات الثلاث مستحبّات نفسيّة ولا دخل فيها للأوامر الغيريّة ظهر أنّ الملاك في عباديّتها هو قصد التوصّل بها إلى إحدى غاياتها ، سواء قلنا بوجوب المقدّمة شرعا أم لم نقل.
فإذا قصد التوصّل إلى إحدى الغايات حصل القرب واستحقّ الثواب بالمعنى الذي قدّمناه من أهليّة المدح والثواب ، وحيث لا يقوم في المقام دليل على اعتبار قصد
__________________
(١) مناهج الوصول : ١ / ٣٨٤.