كانت الطهارات الثلاث مع التقرّب بها من المقدّمات فجزؤها وهو ذات الأفعال من جهة كونه من المقدّمات مأمورا بها ، كما أنّ قيدها أي إتيانها بداعويّة أمرها أيضا يكون مأمورا به بملاك المقدّميّة ، فالأمر الأوّل يدعو إلى ذات الأفعال والأمر الثاني يدعو إلى أن يأتي ذات الأفعال بداعي الأمر المتوجّه إليها ، فلا تغفل (١).
ولكنّه متفرّع على انحلال الأمر المقدّميّ إلى الذات والقيد ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ حيثيّة المقدّميّة حيثيّة تقييديّة لا حيثيّة تعليليّة لأنّ الجهات التعليليّة في الأحكام العقليّة ترجع إلى الحيثيّات التقييديّة. وعليه فالأمر الغيريّ المنكشف بحكم العقل لا يتعلّق بذات الأفعال من دون حيثيّة المقدّميّة.
وأيضا لا يكفي قصد الأمر النفسيّ المتوجّه إلى ذي المقدّمة في جعل الطهارات الثلاث عبادة ، لأنّ الأمر النفسيّ المذكور لا يدعو إلّا إلى متعلّقه والمقدّمات خارجة عن حيطة دعوته ، ولا يكون الإتيان بمقدّماته من الطهارات وغيرها شروعا في إطاعة الأمر النفسيّ.
نعم من أتى بالمقدّمات بقصد التوصّل إلى إطاعة الأمر النفسيّ في موطنه عدّ منقادا وأهلا للمدح والثواب ، وهو كاف في صلوحيّة الشيء للتقرّب وحصول العباديّة ، ولا دليل على لزوم ورود أمر آخر على صلاحيّته للتقرّب والعباديّة ، خلافا لما يظهر من مناهج الوصول (٢).
نكات فقهية
منها : أنّ الوضوء التهيّئي قبل الوقت صحيح لما عرفت من تحقّق القربة بإتيان الطهارات بقصد التوصّل إلى إطاعة الأمر النفسيّ المتوجّه إلى غاياتها من دون حاجة إلى قصد الأمر النفسيّ المتوجّه إلى الطهارات لو قلنا به ، أو من دون
__________________
(١) راجع مناهج الوصول : ١ / ٣٨٢ ـ بدائع الأفكار : ١ / ٣٨١.
(٢) راجع : ١ / ٣٨٦.