إلّا ذلك الفعل الإراديّ الصادر من العبد ، وبعثه النفسيّ والمقدّميّ إيجاد تسبيبيّ للفعل ومقدّمته ، وليس حكم العقل إلّا الإذعان بالملازمة بين الإرادتين ، لا أنّه حكم ابتدائيّ بوجوب الفعل عقلا حتّى لا يكون له معنى إلّا الإذعان بحسنه الملازم حيث لا بعث ولا زجر من العاقلة. ينتج أنّ الحسن في نظر العقل هو التوصّل لا الفعل لغاية التوصّل.
وأورد على الثاني : فبأنّ الممدوح عليه هو التأديب بالحمل الشائع ، كما أنّ الواجب هنا هو التوصّل بالحمل الشائع إلّا أنّ التأديب بالحمل الشائع اختياريّته بقصد عنوان التأديب لا باختياريّة الضرب ، فإنّه إذا صدر الضرب فقط بالاختيار لم يصدر منه تأديب اختياريّ ، بخلاف التوصّل بالحمل الشائع فإنّ عنوانه لا ينفكّ عن المشي إلى السوق ، فإذا صدر المشي بالاختيار كان توصّلا اختياريّا من دون لزوم قصد عنوان التوصّل (١).
حاصله أنّ العقل في المقام لا يتكفّل إلّا الإذعان بالملازمة ولا حكم ابتدائيّ له بوجوب الفعل عقلا ليرجع إلى أنّ الحسن في نظر العقل هو التوصّل لا الفعل لغاية التوصّل. هذا بخلاف العقل العمليّ ، فإنّ العقل فيه يحكم بحسن التاديب لا الفعل لغاية التأديب.
ولو سلّم ذلك الفرق بين المقام ومثل التأديب واضح ، فإنّ اختياريّة التأديب منوطة بقصد عنوان التأديب لا باختياريّة الضرب ، إذ مع صدور الضرب اختيارا فقط لم يصدر منه تأديب اختياريّ ، بخلاف اختياريّة التوصّل فإنّها تحصل باختياريّة المشي وذلك لعدم انفكاك التوصّل عن المشي إلى السوق ، بخلاف التأديب فإنّ الضرب ربّما لا يكون للتأديب ، بل لسائر الدواعي. وعليه فاعتبار قصد التوصّل للمصداقيّة للواجب مع اختياريّة المشي إلى السوق أمر لا موجب لاعتباره.
يمكن أن يقال : إنّ العقل كما له الحكم بحسن ضرب اليتيم للتأديب وهو في الواقع يرجع إلى الحكم بحسن التأديب ، كذلك له الحكم بتلازم إرادة ذي المقدّمة
__________________
(١) تعليقة نهاية الدراية : ١ / ٣٤٨.