لإرادة المقدّمات من جهة التوقّف والتوصّل. وهذا الحكم يرجع إلى التلازم بين إرادة ذي المقدّمة وإرادة المقدّمات متقيّدة بالتوصّل بها إليها ، لأنّ الإدراكات العقليّة التي عبّر عنها بالأحكام العقليّة من جهة أو لغاية ترجع إلى الحيثيّات التقيّديّة من دون فرق في ذلك بين العقل العمليّ وبين العقل النظريّ ألا ترى أنّ الحكم باستحالة شيء بسبب استلزامه الدور أو التسلسل ويرجع إلى الحكم باستحالة الدور أو التسلسل بالذات. وهكذا حكم العقل باستحالة اجتماع الأمر والنهي في عنوان واحد من جهة استلزامه اجتماع الضدّين يرجع إلى الحكم باستحالة اجتماع الضدّين ذاتا.
وهكذا مع أنّها من الأحكام العقليّة النظريّة فيستفاد من هذه الأمثلة أنّ الجهة التعليليّة هي بعينها هي الموضوع لحكم العقل ، لأنّ الجهات التعليليّة في الأحكام العقليّة سواء كانت عمليّة أو نظريّة ترجع إلى الحيثيّات التقيّديّة ؛ فلا وجه للتفصيل بين العمليّ والنظريّ وإنكار هذه المقدّمة ، كما لا وجه لما في المحاضرات من أنّ الجهات التعليليّة في الأحكام العقليّة وإن ترجع إلى الجهات التقييديّة إلّا أنّه أجنبيّ عن محلّ الكلام في المقام ، لما تقدّم في أوّل البحث من أنّ وجوب المقدّمة عقلا بمعنى اللابدّيّة خارج عن مورد النزاع وغير قابل للإنكار ، وإنّما النزاع في وجوبها شرعا الكاشف عنه العقل ؛ وكم فرق بين الحكم الشرعيّ الذي كشف عنه العقل والحكم العقليّ. وقد عرفت أنّ الجهات التعليليّة في الأحكام الشرعيّة لا ترجع إلى الجهات التقييديّة (١).
وذلك كما أفاد سيّدنا الإمام قدسسره أنّ العقل إذا كشف عن حكم بملاكه العقليّ لا يمكن أن يكشف أوسع أو أضيق من ملاكه ولا في موضوع آخر غير حيثيّة الملاك. وهذا واضح جدّا (٢).
هذا كلّه بالنسبة إلى المقدّمة الاولى ، وأمّا ما أفاده بالنسبة إلى المقدّمة الثانية فهو في محلّه لعدم توقّف حصول التوصّل الاختياريّ على قصد التوصّل لحصوله
__________________
(١) المحاضرات : ٢ / ٤٠٧.
(٢) مناهج الوصول : ١ / ٣٩١.