مثلا على مقدّمة محرّمة بنفسها ، كالتصرّف في مال الغير أو نحوه ، فبطبيعة الحال تقع المزاحمة بين الوجوب الغيريّ والحرمة النفسيّة. وعليه فإن جاء المكلّف بالمقدّمة قاصدا بها التوصّل إلى الواجب النفسيّ ارتفعت الحرمة عنها ، وذلك لأنّ إنقاذ النفس المحترمة من الهلاك أهمّ من التصرّف في مال الغير ، فلا محالة يوجب سقوط الحرمة عنه. وأمّا إن جاء بها لا بقصد التوصّل ، بل بقصد التنزّه أو ما شاكله فلا موجب لسقوط الحرمة عنه أبدا (١).
اورد عليه في الوقاية بأنّ هذا حقّ لو كان وجوب المقدّمة ممّا تناله يد الجعل والتصرّف وأمّا بناء على ما يذهب إليه المحقّقون ـ وهو سيّدهم ـ من أنّه لازم لوجوب ذي المقدّمة بحيث يستحيل انفكاكه عنه بحكم العقل ولا مناط في حكمه سوى التوقّف من غير مدخليّة شيء في غيره ، فلازمه أن يكون الحرام المهمّ إذا كان مقدّمة للواجب الأهمّ كالمباح ، إذ القصد لا مدخليّة له في التوقّف الذي هو مناط حكم العقل ، والحكم العقليّ لا يقبل التخصيص (٢).
وهذا هو الذي ذهب إليه في الكفاية أيضا.
ويمكن أن يقال : إنّ مناط مطلوبيّة المقدّمة ليس مجرّد التوقّف ، بل سيأتي إن شاء الله تعالى أنّ المناط هو حيثيّة التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ، إذ لا مطلوبيّة للمقدّمة إلّا لأجل الوصول إلى الغير.
وعليه ، فلا يكون الدخول في ملك الغير متّصفا بالوجوب بمجرّد توقّف الإنقاذ عليه ولو لم يكن في طريق الإنقاذ ، بل الذي يقع على صفة الوجوب هو ما يقع في طريق الإنقاذ. وعليه ، فقصد التوصّل لا دخل له في صورة المزاحمة كما لا دخل له في غيرها ، وإنّما المدخليّة للتوصّل فقط.
وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية أيضا حيث ذهب إلى أنّ الملاك هو التوقّف من
__________________
(١) المحاضرات : ٢ / ٤٠٩.
(٢) الوقاية : / ٢٥٥.