قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره : إنّ مقصوده بتوضيح منّا يرجع إلى مقدّمتين :
إحداهما : أنّ ملاك مطلوبيّة المقدّمة ليس مجرّد التوقّف ، بل ملاكها هو حيثيّة التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ؛ فذات المقدّمة وحيثيّة توقّف ذي المقدّمة عليها لا تكونان مطلوبتين بالذات ، وهذه مقدّمة وجدانيّة يرى كلّ أحد من نفسه أنّ المطلوبيّة الغيريّة إنّما هي لأجل الوصول إليه ، بل لو فرض انفكاك التوقّف عن التوصّل خارجا كان المطلوب هو الثاني لا الأوّل.
وثانيهما : أنّ الغايات عناوين الموضوعات في الأحكام العقليّة والجهات التعليليّة فيها ترجع إلى التقييديّة ، وهذه مقدّمة برهانيّة لأنّ الوجوب هاهنا مستكشف من حكم العقل ولا يمكن تخلّفه عمّا هو مناطه في نظره ضرورة أنّ العقل إذا أدرك حيثيّة تكون تمام المناط لتعلّق حكم مولويّ يكشف عن كون الحكم متعلّقا بتلك الحيثيّة من غير دخالة شيء آخر جزء للموضوع أو تمامه.
فحينئذ نقول : إنّ وجوب المقدّمة إذا كان لأجل التوصّل إلى ذي المقدّمة تكون تلك الحيثيّة ـ أي التوصّل إلى ذي المقدّمة ـ تمام الموضوع لمناط حكم العقل ، فيكشف عن ثبوت الحكم على المقدّمة بهذه الحيثيّة لا غيرها ، فاللّازم هو وجوب المقدّمة المتحيّثة بها من حيث هي كذلك.
ولا يمكن أن تصير تلك الحيثيّة علّة لسراية الحكم إلى غيرها. نعم يمكن تعلّق بعث مولويّ بشيء لأجل غاية ، بحيث يكون البعث متوجّها إلى عنوان تترتّب عليه الغاية ، لكنّ الكلام في الوجوب المنكشف بحكم العقل ولا يمكن كشف العقل عن ثبوت حكم على غير ما هو المناط ذاتا ، فكون الأحكام الشرعيّة متعلّقة بالعناوين لأجل المصالح والمفاسد لا يكون نقضا على ما ذكرنا لو أعطى التدبّر حقّه (١).
__________________
(١) مناهج الوصول : ١ / ٤٠٠ و ٤٠١ و ٣٩٨.