منها : ما أورده في الكفاية من أنّ الغرض الداعي إلى وجوب المقدّمة ليس إلّا حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدّمة ضرورة أنّه لا يكاد يكون الغرض إلّا ما يترتّب عليه من فائدته وأثره ، ولا يترتّب على المقدّمة إلّا ذلك ، ولا تفاوت فيه بين ما يترتّب عليه الواجب (من الافعال التسبيبيّة) وما لا يترتّب عليه أصلا (كالأفعال المباشريّة التي تحتاج إلى الإرادة والاختيار) ، وأنّه (الغرض المذكور) لا محالة يترتّب عليهما.
وأمّا ترتّب الواجب فلا يعقل أن يكون الفرض الداعي إلى إيجابها والباعث على طلبها ، فإنّه ليس بأثر تمام المقدّمات فضلا عن إحداها في غالب الواجبات ، فإنّ الواجب إلّا ما قلّ في الشرعيّات والعرفيّات فعل اختياريّ يختار ، للمكلّف تارة إتيانه بعد وجود تمام مقدّماته واخرى عدم إتيانه ، فكيف يكون اختيار إتيانه غرضا من إيجاب كلّ واحدة من مقدّماته مع عدم ترتّبه على تمامها فضلا عن كلّ واحدة منها؟!
نعم ، فيما كان الواجب من الأفعال التسبّبية والتوليديّة كان مترتّبا لا محاله على تمام مقدّماته لعدم تخلّف المعلول عن علّته (١).
وفيه كما في تعليقة الأصفهانيّ : أنّ ما أفاده وإن كان من الجهة الجامعة لجميع المقدّمات من السبب والشرط والمعدّ إلّا أنّ هذا المعنى السلبيّ التعليقيّ ليس أثر وجود المقدّمة ولا هو متعلّق الغرض كما أنّ إمكان ذي المقدّمة ذاتا وقوعيّا وكذا التمكّن منه غير مترتّب على وجود المقدّمة ، بل إمكانه مطلقا والقدرة عليه يتبع إمكانها والقدرة عليها لا وجودها فذو المقدّمة لا يوجد بدونها ، لا أنّه لا يمكن بدونها أو لا يتمكّن منه بدونها (٢).
وعليه ، فالتمكّن من ذي المقدّمة من دون قيد الايصال ليس غاية للأمر بالمقدّمة لأنّه حاصل قبل الأمر بتبع التمكّن من المقدّمة.
__________________
(١) الكفاية : ١ / ١٨٥.
(٢) نهاية الدراية : ١ / ٣٥٠.