لا يمكن أن تكون كاشفة عن الصغرى ، وكذا الملازمة بين البعث إلى ذي المقدّمة والبعث التبعيّ إلى مقدّمته (١) ، بل العلم بالمقدّميّة أو الشرطيّة يحصل بأحد الأنحاء ، منها الإخبار بذلك ـ أعني المقدّميّة ـ ومنها النهي الإرشاديّ عن استعماله في الفعل المركّب ، كقوله عليهالسلام : «لا تصلّ في أجزاء ما لا يؤكل لحمه» فإنّه يفيد مانعيّة أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ومنها الإنشاء ـ أعني التكليف إلى ذي المقدّمة متقيّدا بالشرط ـ كقوله : «صلّ متطهّرا» ، ومنها الأمر الإرشاديّ إلى المقدّمة كقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية. وغير ذلك من الأنحاء.
فإذا ثبت مقدّميّة شيء أو شرطيّته شرعا فهي كالمقدّمات العقليّة والعاديّة في صدق معنى الشرط عليه من أنّه ما ينتفى بانتفائه المشروط ، وبعد ذلك فالمقدّمة الشرعية كالمقدّمات العقليّة ، كما لا يخفى.
وكيف كان ، فلا وجه للتفصيلات المذكورة في الملازمة بين وجوب المقدّمة وذيها ، وقد عرفت أنّ الوجدان يشهد بوجود الملازمة بين إرادة ذي المقدّمة وذيها شرعا ، من دون فرق بين كون المقدّمة سببا وعدمه ، وبين كون المقدّمة شرعيّا وعدمه ، فلا تغفل.
مقدّمة المستحبّ
ولا يغب عنك أنّه لا فرق بين الوجوب والاستحباب فيما عرفت من وجدان الملازمة لوجود ملاك الملازمة فيهما وهو التوقّف والمقدّميّة في كلّ من مقدّمتي الواجب والمستحبّ ، فإذا أردنا شيئا مع العلم بأنّه لا يتحقّق إلّا بمقدّمات أردنا مقدّماته سواء كانت إرادتنا لذيها إرادة وجوبيّة أو ندبيّة ، فكما أنّ الأمر كذلك في الإرادة الفاعليّة فالأمر كذلك في الإرادة التشريعيّة لما عرفت من تطابق الإرادة التشريعيّة والإرادة التكوينيّة.
__________________
(١) مناهج الوصول : ١ / ٤١٥.