والإغراء نحو المأمور به والإرادة الجدّيّة مستفادة من الأصل العقلائيّ ما دام لم تقم قرينة على الخلاف ومع قيام القرينة فلا إرادة جدّيّة ولكنّ الصيغة استعملت في معناها من دون لزوم مجاز في الكلمة أو اشتراك لفظيّ فيها لأنّ صيغة افعل تستعمل في جميع التقادير في إنشاء البعث الذي وضعت له وإنّما اختلف الداعي لأنّه تارة هو الإرادة الجدّيّة للبعث والتحريك نحو المطلوب الواقعيّ واخرى التهديد والإنذار وغيرهما بقيام القرينة ، نعم لو قلنا بأنّ الصيغة موضوعة للحكاية عن الإرادة النفسيّة الجدّيّة لكان المعنى مختلفا بحسب اختلاف الموارد ولزم المجاز فيما إذا لم تكن حاكية عن الإرادة النفسيّة الجدّيّة ولكن هذا المبنى ضعيف ربما يقال نعم لا مجاز في الكلمة لعدم استعمال الصيغة في غير الموضوع له ولكن يلزم خلاف الوضع إذ الواضع جعل الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب بداعي البعث والتحريك جدّا لابداع آخر.
وفيه أنّ الدواعي والأغراض لا توجب تقييدا في الوضع كما لا توجب ذلك في المعاملات وعليه فدعوى اختصاص الوضع بالداعي الحقيقيّ كما ترى.
وبالجملة فكما أنّ تخصيص العمومات لا يوجب المجاز فيها مع أنّ الخاصّ قرينة لرفع اليد عن أصالة الإرادة الجدّيّة في العموم لعدم التصرّف في الإرادة الاستعماليّة فكذلك في المقام فإنّ التصرّف في الإرادة الجدّيّة لا في الإرادة الاستعماليّة.
وممّا ذكر يظهر أنّه لا وجه لدعوى انسلاخ الصيغ الإنشائيّة كالترجّي والتمنّي عن معانيها إذا استعملت في كلامه سبحانه وتعالى بدعوى استحالة مثل هذه المعاني في حقّه عزوجل وذلك لأنّ المستحيل هو الحقيقيّ من الترجّي والتمنّي ونحوهما للزوم الجهل والعجز لا الإنشائيّ الاعتباريّ منها الذي يوجد بالصيغ المذكورة بدواع معقولة والمفروض أنّ الصيغ لا تدلّ إلّا على الإنشائيّ منها وعليه فمثل قوله تعالى (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ليس مستعملا في الاستفهام الحقيقيّ حتّى ينافي علمه تعالى بل هو استفهام إنشائيّ استعمل بداعي إظهار المحبّة.