الامتثال للأمر الفعليّ بلا عذر ، فهو لا يتحقّق بدون الأمر ، بل مترتّب عليه. وعليه فتقدّم الأمر عليه كتقدّم أجزاء الماهيّة عليها ، وإن لم يكن بين العصيان والأمر رتبة العلّيّة والمعلوليّة.
وثانيا : إنّ العصيان ليس عدما محضا ، بل هو مشوب بالوجود ، لأنّه مخالفة للمولى وإعراض عن أمره ، وهما أمران وجوديّان ، وإن كانا موجبين لترك الامتثال بلا عذر. وعليه فيكون العصيان كالإطاعة متأخّرا زمانا عن الأمر بالأهمّ ومتقدّما على الأمر بالمهمّ ، فلا امتناع في جعل العصيان شرطا أو موضوعا ، بل هو واقع في الكتاب والسنّة كقوله تبارك وتعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ). الآية.
وثالثا : إنّ الموضوعات والشرائط في الخطابات الشرعيّة ليست عقليّة ، بل هي عرفيّة ، والعرف يحكم بصحّة جعل العصيان شرطا للخطاب بالمهمّ ؛ ألا ترى أنّ الوالد يقول لابنه تعلّم ، فإن عصيت أمري ولم تتعلّم فعليك بالاكتساب ، وليس ذلك إلّا لأنّ العرف يرى العصيان أمرا وجوديّا ومتأخّرا عن الأمر بالأهمّ ومتقدّما على الأمر بالمهمّ.
فتحصّل أنّ ترتّب الأمر بالمهمّ على حالة عصيان الأمر بالأهمّ أمر معقول وعرفيّ ، وإن لم يكن بينهما رابطة العلّيّة والمعلوليّة ، لكفاية تأخّره عنه ولو بالمتأخّر الطبعي. كما أنّ شوب العصيان بالوجود يكفي في صحّة جعله موضوعا لا شرطا للخطاب بالمهمّ ، فلا تغفل.
فأساس الترتّب مبنيّ على ترتّب أثر الأمر بالمهمّ على حالة العصيان بالنسبة إلى الأمر بالأهمّ وعدم تأثيره ، لأنّ حالة العصيان تلازم مع عدم تأثير الأمر بالأهمّ الذي هو المانع من تأثير الأمر بالمهمّ ؛ فإذا حصلت حالة العصيان بالنسبة إلى الأمر بالأهمّ ارتفعت مانعيّة الأمر بالأهمّ عن تأثير الأمر بالمهمّ ، ومع ارتفاع المانعيّة أثّر الخطاب المهمّ ، فتأثير خطاب المهمّ موقوف على عدم تأثير خطاب الأهمّ.