وأمّا ما أورد عليه في مناهج الوصول من أنّ لازمه هو طلب الجمع ، لأنّ الأمر الانتزاعي متحقّق قبل وقت امتثال الأهمّ وقبل عصيانه ، فأمر المهمّ صار فعليّا باعثا نحو المأمور به وأمر الأهمّ لم يسقط وبقي على باعثيّته قبل تحقّق العصيان ، فهذا باعث نحو إنقاذ الابن مثلا أوّل الزوال بعنوان المكلّف ، وذاك إلى إنقاذ الأب كذلك ، بعنوان الذي يكون عاصيا فيما بعد ، والمكلّف الذي يكون عاصيا فيما بعد مبعوث فعلا نحو ذاك وذلك ، وغير قادر على ذلك ، ومجرّد اختلاف العنوانين وطوليّة موضوع الأمرين لا يدفع طلب الجمع.
ألا ترى أنّ عنوان المطيع أيضا مؤخّر عن الأمر ؛ فلو جعل شرطا يكون مقدّما على أمر المهمّ ، فيصر أمر الأهمّ مقدّما عليه برتبتين ، ومع ذلك لا يدفع ذلك جمع الضدّين (١).
ففيه أوّلا : أنّ الإطلاق ليس جمعا بين القيود ، بل هو رفض القيود ، بمعنى عدم دخل فعل الآخر وتركه في فعليّة الطلب. وعليه فلا يلزم من الطلب طلب الجمع بين الفعلين.
نعم ، لازم تعلّق الطلبين في المترتّبين طلب ما لهما المعيّة الزمانيّة في المطلوبيّة ، ولا إشكال فيه بعد فرض كون مطلوبيّة المهمّ فيما إذا لم يعمل القدرة في فعل الأهمّ ، إذ القدرة الواحدة لا تفي بهما ، وأمّا مع الترتّب فالقدرة الواحدة تفي بهما ، إذ مع إعمال القدرة في فعل الأهمّ لا تأثير للأمر بالمهمّ ، ومع عدم إعمالها في الأهمّ لا مانع من إعمالها في فعل المهمّ ، وعليه ، فالترتّب موجب للجمع بين الطلبين لا طلب الجمع ، وجمع الطلبين مع ترتّب تأثير المهمّ على عدم تأثير الأمر بالأهمّ لا مانع منه.
وثانيا : أنّ المناط في دفع التضادّ هو اختلاف الرتبة مع عدم فعليّة تأثير الأهمّ ،
__________________
(١) منهاج الوصول : ج ٢ ص ٥٢.