ثم لا يخفى عليك أنّ الظاهر من الكفاية هو صحّة أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة اخرى من نفس الحكم أو من مثله أو ضدّه ، ويجوز حينئذ أخذ القطع بحكم إنشائيّ محض في موضوع حكم فعليّ من دون فرق بين أن يكون الحكم الفعلي هو نفس الحكم الإنشائيّ الواصل إلى مرتبة الفعلية أو يكون مثله أو ضدّه أو مخالفه.
وقد مرّ الكلام في مراتب الحكم في الجهة الثالثة من هذه الرسالة ، وقلنا بأنّ مرتبة الاقتضاء ليست من مراتب الأحكام ؛ لأنّها ممّا يقتضي الحكم ، وليس بحكم ، ومرتبة التنجيز ليست من مراتب الحكم ؛ لأنّ الحكم لا يتغيّر ولا يتبدّل بتعلّق العلم. نعم صحّة العقوبة مترتّبة على العلم.
فانحصرت مراتب الحكم : في الإنشاء لأن يعمل به بعد تحقّق موضوعه في الآتي ، وهو الفعليّ من قبل المولى ، وهو الإنشاء بداعى جعل الداعي بنحو القضيّة الحقيقيّة ، وفي الفعلي وهو الإنشاء بداعي جعل الداعي مع تحقّق موضوعه. والعلم به قبل تحقّق موضوعه لا يوجب الفعليّة ، بل هو علم بالحكم الإنشائي ، والعلم به بعد تحقّق موضوعه لا ينفكّ عن الفعليّة. وعلى كلا التقديرين لا يصحّ جعل العلم بالحكم الإنشائي موضوعا لمرتبة الفعليّة من نفس الحكم ، مثلا العلم بقوله عزوجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قبل تحقّق الاستطاعة علم بالحكم الإنشائي ، ولا يصلح لأن يترتب عليه الحكم ، وإلّا لزم الخلف في اعتبار الاستطاعة كما لا يخفى ، وبعد تحقّق الاستطاعة علم بالحكم الفعلي. والعلم في الصورة الأولى لا يوجب فعليّة الحكم بعد ما فرض من عدم تحقّق الاستطاعة. والعلم في الصورة الثانية لا ينفكّ عن الفعلية.
وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية على مختاره أيضا ؛ فإنّ العلم بالحكم الاقتضائي لا يوجب الفعليّة ، بل هو علم بالحكم الاقتضائي ، والعلم بالحكم الإنشائي قبل تحقّق موضوعه أيضا لا يوجب فعليّة الحكم وإلّا لزم الخلف في اعتبار الموضوع ، وبعد