لانا نقول : ما ذكره اخيرا من أن المفهوم اخص مطلقا من عموم التعليل مسلم إلّا أنا ندعي التعارض بين ظهور عموم التعليل في عدم جواز العمل بخبر العادل الغير العلمي وظهور الجملة الشرطية أو الوصفية في ثبوت المفهوم ، فطرح المفهوم والحكم بخلوّ الجملة الشرطية عن المفهوم أولى من ارتكاب التخصيص في التعليل. (١)
ويمكن الجواب عنه بما افاده في الدرر من أن التعليل لا يدل على عدم جواز الاقدام بغير العلم مطلقا ، بل يدل على عدم الجواز فيما اذا كان الاقدام في معرض حصول الندامة واحتماله منحصر فيما لم يكن الاقدام عن حجة ، فلو دلت الآية بمفهومها على حجية خبر العادل فلا يحتمل أن يكون الاقدام على العمل به مؤديا الى الندم ، فلا منافاة بين التعليل ومفهوم الآية اصلا. (٢)
وتوضيح ذلك : انه لا منافاة بين التعليل ومفهوم الآية الكريمة ؛ لان المراد من الجهالة وعدم العلم هو عدم الحجة ، كما أن المراد من العلم في قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أو قوله عليهالسلام «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر» هو الحجة ، وعليه فالتعليل يدل على المنع عن العمل بما يكون في معرض الندامة وهو ما لا حجية فيه. وهذا لا ينافي جواز الاخذ بالحجة ؛ فانه لا يكون في معرض الندامة ، فقوله سبحانه وتعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يدلّ على عدم حجية خبر الفاسق بذكر لازمه ، وهو لزوم تحصيل العلم والحجة ؛ إذ لا معنى لطلب تحصيل العلم والحجة إلّا مع عدم حجية خبر الفاسق.
وعليه فالمنتفي في طرف المفهوم هو عدم الحجية ، ومن المعلوم أن انتفاء عدم الحجية عن خبر العادل عين حجية خبره ؛ لاستحالة ارتفاع النقيضين.
وبعبارة أخرى : نفي عدم الحجية هو الحجية ، فالمعلق على خبر الفاسق في الجملة الشرطية هو التبين ، ولكن في الحقيقة أن التبين لازم المعلق وهو عدم الحجية ، وهو ينتفي عند
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٧٢.
(٢) الدرر : ص ٣٨٦.