للشرط المذكور حتّى ينافي علّيّة الشرط أو انحصارها وقياس الآية الكريمة بمثل قوله إن جاءك زيد فأكرمه ثمّ التصريح بأنّ العلّة إنّما هو علمه في غير محلّه. فإنّ مجيء زيد غير العلم بخلاف المقام فإنّ نبأ الفاسق في قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبإ يشير إلى أنّ العلّة هو عدم إفادة خبر الفاسق العلم بمعنى الحجّة وهو غير مناف لما أفاده التعليل من أنّ الإقدام على ما ليس بحجة يكون في معرض الندامة بل هما متوافقان.
ولعلّ منشأ توهّم المنافاة بين المفهوم والتّعليل هو حمل الجهالة في قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) على عدم العلم بالواقع بقرينة كون الجهالة مقابلة للتبيّن وهو بمعنى تحصيل العلم وإحراز الواقع ومعلوم أنّ الجهالة بهذا المعنى مشترك بين خبري العادل والفاسق وهو يوجب تعميم علّة التبيّن ويحصل المنافاة مع انحصار علّة التبيّن في خبر الفاسق فلا ينعقد ظهور المفهوم ولكن المنافاة فيما إذا اريد من الجهالة خصوص عدم العلم بالواقع ومن التبيّن خصوص تحصيل العلم وإحراز الواقع وأمّا إذا قلنا إنّ المرتكز في الإخبارات والإنباءات هو الاكتفاء بالحجّة فالتبيّن هو التفحّص عن حجّيّة الخبر والجهالة في مقابلها وهو عدم التفحّص والإقدام مع عدم إحراز الحجّة ومن المعلوم أنّ الجهالة بهذا المعنى ليست مشتركة بين خبري العادل والفاسق فلا منافاة مع التعليل وانحصار علّة التبيّن في خبر الفاسق.
واجيب ثانيا : عن مانعيّة التعليل للمفهوم بحمل الجهالة على السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله عند العقلاء مستشهدا بقوله عزوجل : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) فإنّ النّدامة لا تكون إلّا على فعل سفهي لا يكون على طريقة العقلاء فلا يعمّ التعليل المذكور لمثل الاعتماد على خبر العادل.
اورد عليه أوّلا : بأنّ حمل الجهالة على السفاهة خلاف الظاهر من لفظ الجهالة.
وثانيا : أنّ قوله تعالى : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) يساعد مع كون الجهالة بمعنى عدم الحجّة فإنّ العمل بالحجّة ممّا لا تترتّب عليه الندامة بخلاف العلم بما ليس بحجّة فلا