ومع وجود احتمال الخلاف وجدانا كيف يقال إنّ هذه الطرق وصول واقعي فالصحيح في الجواب عن المانعية هو ما مرّ من أنّ التعليل لا يدلّ على عدم جواز الإقدام بغير العلم مطلقا بل مفاده هو ذلك فيما إذا كان الإقدام في معرض حصول النّدامة واحتمال ذلك منحصر فيما لم يكن الإقدام حجّة.
وعليه فالآية الكريمة بمفهومها تدلّ على حجّيّة خبر العادل وبتعليلها يدلّ على عدم جواز العمل بغير الحجّة فلا منافاة بين مفهومها وتعليلها.
ومنها قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
وتقريبها بوجوه.
الوجه الأوّل :
أنّ سياق الآية يدلّ على مطلوبيّة الإنذار والحذر ووجوبهما لظهور كلمة لو لا في التحضيض ولا حاجة في إثبات ذلك إلى بيان مفاد كلمة لعلهم وأنّ المراد منها هو مطلوبيّة مدخولها.
وبالجملة ظاهر صدر الآية أنّ ما أمر بالنّفر إليه بمثابة من الأهميّة بحيث لو لا لزوم مثل اختلال النّظام ونحوه لوجب على الجميع النفر إليه ولكن لزوم هذه الأمور منع من ايجاب النّفر على الجميع فعلى هذا لم لا يكون النفر لازما لبعضهم حتّى يرشدوا أنفسهم وغيرهم بسبب اطلاعهم على الدّين.
الوجه الثاني :
أنّ كلمة لعلّ بعد انسلاخها عن معنى الترجّي الحقيقي لعدم إمكانه في حقّه تعالى تدلّ على محبوبيّة التحذّر عند الإنذار فإذا ثبتت محبوبيّة التحذر ثبت وجوبه شرعا إذ لا معنى لندب التحذّر عن العقاب الأخروي مع قيام المقتضي للعقوبة إذ مع عدم المقتضي لها لا مطلوبيّة ولا حسن للتحذّر لعدم الموضوع له والمفروض ثبوت المطلوبيّة.