الطرف الآخر قد سقط للمعارضة قبل حدوث العلم الثاني فليس العلم الإجمالي الثاني علما بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير إذ يحتمل أن يكون النجس هو الطرف الآخر المفروض تنجز التكليف بالنسبة إليه للعلم السابق ومعه لا يبقى إلّا احتمال التكليف في الملاقي بالكسر فيجري فيه هذا الأصل النافي بلا معارض هذا كلّه فيما إذا لم يكن الطرف الآخر الذي هو عدل للملاقى بالفتح مجرى لأصل طولي سليم عن المعارض كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعين ثمّ لاقى أحدهما شيء آخر.
وأمّا إذا كان كذلك كما إذا علمنا بنجاسة مرددة بين الثوب والماء ثمّ لاقي الثوب شيء آخر فتسقط أصالة الطهارة في الطرفين للمعارضة وتبقى أصالة الحل في الماء بلا معارض لعدم جريانها في الثوب في نفسها (لعلّه لوضوح جواز لبسه في نفسه) فيقع التعارض حينئذ بين أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر (أي الملاقي للثوب) وبين أصالة الإباحة في الماء فإنّا نعلم اجمالا بأنّ هذا الملاقي نجس أو أنّ هذا الماء حرام وبعد تساقط الأصلين يكون العلم الإجمالي بالنسبة إلى الملاقي بالكسر أيضا منجّزا فيجب الاحتياط عنه أيضا في هذا الفرض (١).
ولا يخفى عليك أنّه يمكن أن يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى الملاقي بالكسر لما عرفت من أنّ العلم الإجمالي الثاني ليس علما بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير إذ يحتمل أن يكون الحكم المعلوم بالإجمال هو الطرف الآخر المفروض تنجز التكليف بالنسبة إليه للعلم الإجمالي الأوّلي ومعه لا يبقى إلّا احتمال التكليف في الملاقي بالكسر.
ثمّ لا فرق في عدم وجوب الاحتياط بين كون العلم الإجمالي بالنجاسة حادثا قبل الملاقاة أو قبل العلم بها وبين كون العلم الإجمالي بالنجاسة حادثا بعد الملاقاة وقبل العلم بها.
لاشتراكهما في كون العلم الإجمالي بالنجاسة مقدما على العلم بالملاقاة ومع تقدم العلم
__________________
(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤١٥ ـ ٤١٦.