تنبيهات المقام الثاني :
التنبيه الأوّل : في جريان البراءة في الأسباب والمسببات وعدمه.
واعلم أنّ الأسباب والمسببات تنقسم إلى عقليّة وعاديّة وشرعيّة فإذا كانت الأسباب عقلية أو عادية فلا مجال للبراءة لأنّ بيانها ليس على الشارع والمفروض أنّ المكلّف به معلوم ومبيّن من جهة المفهوم وإنّما الشك في أسبابه العقليّة والعاديّة فاللازم حينئذ هو الاحتياط في الأسباب المذكورة قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره فيما إذا دار أمر السبب العقلي أو العادي بين الأقل والأكثر كما لو أمر بالقتل وتردد سببه بين ضربة وضربتين أو أمر بتنظيف البيت ودار أمره بين كنسه ورشه أو كنسه فقط لا اشكال في عدم جريان البراءة لأنّ المأمور به مبيّن وغير دائر بين الأقل والأكثر وما هو دائر بينهما فهو غير مأمور به والشك بعد في حصول المأمور به وسقوطه وقد قامت الحجة على الشيء المبيّن فلا بدّ من العلم بالخروج عن عهدته (١) وبعبارة اخرى مقتضى الاشتغال اليقيني هو الفراغ اليقيني بالاحتياط هذا كله فيما إذا كانت الأسباب والمسببات عقليّة أو عاديّة وأمّا إذا كانت الأسباب والمسببات شرعيّة أو كانت المسببات تكوينيّة إلّا أنّ أسبابها لإبهامها لا تتعين بفهم العرف بل اللازم أن يكشف عنها الشارع كما إذا فرض أنّ المأمور به في الوضوء أو الغسل هو حالة نورانيّة تكوينيّة لا سبيل لكشفها إلّا الشرع ففي الصورتين يجوز جريان البراءة لأنّ للشرع دخالة حينئذ في تعيين السبب وما يدخل في العهدة ومقتضى عموم حديث الرفع هو البراءة عن
__________________
(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٤٨.