عدمها بما يرجع حاصله إلى وجهين أحدهما اعتبار أن يكون الباعث للعبد الأمر المحتمل فيما أمكن وثانيهما أنّ التكرار لعب بأمر المولى ضعيف لما في وجه الأوّل أولا من عدم اعتبار ذلك قطعا لصدق الامتثال عرفا بدون الجزم بالأمر حين العمل وثانيا أنّه لو تم لجرى فيما لا يحتاج إلى التكرار أيضا بل مقتضاه عدم صحة الاحتياط حتى في الشبهات البدوية قبل الفحص واليأس عن الدليل ولما في الوجه الثاني أوّلا من أنّ التكرار ربما يكون بداع عقلائي فلا يكون عبثا ولعبا بل قد يكون تحصيل العلم التفصيلي عبثا ولعبا كما لا يخفى على من راجع وجدانه فيما لو أمر المولى عبده أن يسلم على زيد فاشتبه بين اثنين فإنّ الاحتياط بتكرار التسليم عليهما لا يعدّ عبثا عقلا بل تحصيل العلم بخصوص زيد من بينهما يعدّ كذلك خصوصا في بعض الموارد ونظير ذلك كثير فالتكرار من حيث هو لا يعدّ لعبا بأمر المولى عقلا ولا عرفا وثانيا سلمنا كونه لعبا مطلقا إلّا أنّه لا ينافي قصد الامتثال حيث إنّه إنّما كان في خصوصيات الامتثال وكيفياته وقد تقدم في الفقه أنّ خصوصيات الفردية لا بدّ وأن يؤتى بها ببعض الدواعي الراجعة إلى الشهوات النفسانية فإنّ الأمر لا يكاد يدعو إلّا إلى متعلقه الذي هو نفس الطبيعة من حيث هي فخصوصيات الفردية وكيفيات الامتثال خارجة عن تحت دائرة الطلب وترجيح بعضها على الآخر ليس إلّا بداعي شهوة النفس وأميالها وإذا لا فرق بين أن يكون هذا الداعي من الدواعي العقلائية أو من غيرها. (١)
فيتحصّل أنّ الاحتياط مطلقا لا يتوقف على الفحص والعلم بوجه الأحكام من الوجوب أو الندب ومع عدم توقفه على ذلك يجوز الاحتياط في العبادات كالتوصليات من دون فرق بين استلزام الاحتياط للتكرار وعدمه كما لا يخفى.
وأمّا البراءة فالكلام فيها يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في البراءة العقلية
__________________
(١) المحاضرات لسيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره / ج ٢ ، ص ٤٨٩ ـ ٤٩٥.