بعد الاتيان بهما فان قلنا بجريان الاصول النافية في جميع الأطراف أو بعضها فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في كلتا الصلاتين أو في أحدهما فلا وجه لتخصيص النزاع بالاصول الجارية عند الشك في أصل التكليف دون الجارية في مرحلة الامتثال (١).
ثمّ إنّ البحث في هذا المقام يقع من جهات مختلفة :
الجهة الاولى : في إمكان الترخيص الشرعي في أطراف المعلوم بالإجمال
ولا يخفى أنّ العلم الإجمالي كما مر في مبحث القطع كالعلم التفصيلي في كونه منجّزا للحكم الواقعي ومقتضاه كالعلم التفصيلي عدم جواز المخالفة ووجوب الموافقة القطعية. والوجه في ذلك أنّ العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي بيان تامّ ومعه لا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان وهو واضح.
وإنّما الكلام في أنّه هل يمكن جعل الترخيص عقلا في مورد العلم الإجمالي أو لا يمكن وبعد ثبوت الامكان هل ورد ترخيص في ذلك شرعا أو لا.
وقد فرغنا في مبحث القطع من أنّ العلم الإجمالي يكون مقتضيا للتنجيز وليس كالعلم التفصيلي علة تامة لذلك والمقصود من كون العلم الإجمالي مقتضيا لذلك أنّ العلم الإجمالي طريق كالعلم التفصيلي بالنسبة إلى الواقع ويترتب عليه ما يترتب على العلم التفصيلي ولكنّ حيث كان العلم الإجمالي مشوبا بالشك أمكن للشارع أن يرفع اليد عن فعلية الحكم المعلوم بالإجمال.
وقد ذكرنا بالتفصيل الوجوه التي ذكرت هناك لعدم امكان الترخيص الشرعي في أطراف المعلوم بالإجمال من قبيل أنّ الترخيص يوجب المنافاة لما دلّ على حرمة ذلك العنوان المشتبه مثل قوله اجتنب عن الخمر لأنّ الإذن في كلا المشتبهين ينافي المنع عن عنوان مردد بينهما ويوجب الحكم بعدم حرمة الخمر المعلوم اجمالا في متن الواقع وهو ممّا يشهد
__________________
(١) راجع مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٣٤٥.