المعنى الحقيقي للأمّ على ما يبدو هو ظاهر معنى الأمر الذي نعرفه(١) ، ويبدو أنّ إطلاق لفظ الأمّ على الآيات المحكمات من باب أنّها مرجع لسائر الآيات القرآنية الأخرى ، كما يرجع الأولاد إلى أمّهم ، وترجع جذورهم إليها ، فإنّ الآيات المتشابهات أيضاً تعود إلى الآيات المحكمات ، ويتّضح معناها من خلال الرجوع إلى أمّهاتها.
إلاّ أنّه هل يمكن إرجاع الآيات المتشابهات إلى الآيات المحكمات دون الاستعانة بالقرائن الخارجية؟ أم لابدّ لنا في ذلك من الاستعانة بالقرائن الخارجية من قبيل : الأحاديث المأثورة عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) والأئمّة من أهل بيته عليهمالسلام بوصفهم المرجع في تفسير الآيات؟
لا تشتمل هذه الآية على إجابة واضحة وصريحة عن هذا السؤال ، ولكن لو اعتبرنا (الراسخون في العلم) هم العلماء بالتأويل ، كان الرجوع إليهم في تأويل الآيات المتشابهات أمراً طبيعيّاً.
٣ ـ بما أنّ الآيات المتشابهات قابلة للتأويل ، فإنّ الذين في قلوبهم مرض يتّخذونها ذريعة ووسيلة للوصول إلى أهدافهم ومآربهم اللامشروعة.
__________________
(١) جاء في الكثير من كتب اللغة أنّ أحد المعاني الحقيقية لكلمة (الأم) (أو المعنى الحقيقي الوحيد لهذه الكلمة) هو : أصل وأساس الأشياء (انظر مثلاً : كتاب العين ، ج ٨ ، ص ٤٢٦ ؛ تهذيب اللغة ، ج ١٥ ، ص ٦٣١ ـ ٦٣٣ ؛ الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٦٣ ؛ لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٢٨ و ٣١ و ٣٢ ؛ مجمع البحرين ، ج ٦ ، ص ٩). ولكن لا يبعد أن يكون المعنى الرئيس لهذه المفردة هي الأمّ المعروفة ، وبعد تجريد هذا المعنى من خصوصيّته ، يتبلور معنى الأساس والقاعدة والأصل لهذه المفردة. كما أنّ المسار الطبيعي لوضع الألفاظ يقتضي في بداية الأمر وضعها للمعاني المحسوسة والملموسة ، ثمّ تتّسع شيئاً فشيئاً ليشمل المعاني الانتزاعية والمجرّدة أيضاً.