فقال المأمون : لقد جئت بها عجيبة! أكان يدبر دون النبيّ؟ أو معه فيشركه؟ أو لحاجة النبيّ إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحبّ إليك أن تقول؟
فقال : أعوذ بالله من أن أزعم أنه كان يدبّر دون النبيّ صلىاللهعليهوآله أو يشركه ، أو بافتقار من النبيّ إليه.
قال : فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة لأبي بكر بتخلّفه عن الحرب فيجب أن يكون كل متخلف فاضلاً أفضل من المجاهدين! والله عزوجل يقول : (لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (١)).
وهنا يتداخل الخبر ، فبعد أن كان الراوي إسحاق بن حمّاد بن زيد يروي عن يحيى بن أكثم ، هنا يقول :
قال لي المأمون : يا إسحاق إقرأ : (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) فقرأت حتى بلغت : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) إلى قوله : (وَكَانَ سَعيُكُمْ مَشكُوراً) فقال لي : فيمن نزلت هذه الآيات؟ فقلت : في علي ، فقال : فهل بلغك أنّ علياً قال : (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ (٢)) على ما وصف الله عزوجل في كتابه؟ قلت : لا. قال : فإنّ الله عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفاً لخلقه بأمره! فهل علمت أنّ الله وصف في شيء ممّا وصف في الجنة ما في هذه السورة؟ قلت : لا ، قال : فهذه فضيلة أُخرى.
__________________
(١) النساء : ٩٥.
(٢) الدهر : ١ ، ٨ ، ٢٢ ، ٩.