فلم يدعُه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار وهو مع النبيّ وعلي وحده! فلم يزل صابراً محتسباً.
فبعث الله تعالى ملائكة تمنعه من مشركي قريش. فلمّا أصبح قام ، فنظر القوم إليه وقالوا : أين محمد؟ قال : وما علمي به؟ قالوا : فأنت غررتنا! ثمّ لحق بالنبيّ صلىاللهعليهوآله.
يا إسحاق ، فمن أفضل؟ من كان مع النبيّ في الغار؟ أو من نام على مهاده وفراشه ووقاه بنفسه حتى تمّ للنبيّ ما عزم عليه من الهجرة؟! ثمّ قال : لم يزل عليٌّ أفضل لما بدا منه ، ما يزيد إلّاخيراً ، حتى قبضه الله تعالى إليه وهو محمود مغفور له.
يا إسحاق ، أما تروي حديث الولاية؟ قلت : بلى. قال : إروه. فرويته. فقال : أما ترى إنه أوجب لعلي على أبي بكر وعمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه؟!
قلت : فإن الناس يقولون : إنّ هذا قاله بسبب زيد بن حارثة (؟!) فقال : أين قال النبيّ هذا؟ قلت : بغدير خم منصرفه من حجة الوداع. قال : فمتى قُتل زيد بن حارثة؟ قلت : بمؤتة. قال : أفليس قد كان قتل زيد بن حارثة قبل غدير خم؟ قلت : بلى.
ثمّ قال : أرأيت لو رأيت ابناً لك أتت عليه خمسة عشر سنة يقول : مولاي مولى ابن عمّي أيها الناس فأقبلوا! أكنت تكره ذلك؟ قلت : نعم. قال : أفتنزّه ابن عمّك عما لا تنزّه النبيّ عنه!
ثمّ التفت إليهم وقال لهم : ويحكم! أجعلتم فقهاءكم أربابكم؟! إنّ الله تعالى يقول : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ (١)) والله ما صلّوا لهم ولا صاموا ، ولكنهم أمروهم فأطاعوهم!
__________________
(١) التوبة : ٣١.