الأخبار والتواريخ والمصنّفين والعرفاء المشهورين بتولّده ، لم يبق لما حكاه ابن تيميّة عن ابن جرير وعبد الباقي بن نافع إن صحّ النقل عنهما ، فإني أتّهم ابن تيميّة لقوّة ملكته بالكذب ، و إن صحّ النقل عنهما فلا وقع له ولا أثر له في مقابل هذا الجمع الغفير من أهل السنّة والجماعة الثقات ، حتّى رأيت أنّ أكثرهم قد وافق الإماميّة في إمامته ، وأنّه المهدي الموعود فضلاً عن ولادته ، و بالجملة من كان يشهد و يثبت مثل هؤلاء ولادته لا يعارض بدعوى النفي ، فإنّ شهادة المثبت مقدّمة على شهادة النفي لأنّ أقصاها عدم العلم لأنّه لا طريق إلى العلم بالعدم بالضرورة ، وإنّما صارت ولادته محلاًّ للخلاف لأنّه ولد ولادة مستورة ، لأنّ حديث تملّكه ودولته وظهوره على كافة الممالك والعباد والبلاد كان قد ظهر للناس ، فخيف عليه ، كما جرت الحال في ولادة إبراهيم (١) وموسى (٢) وغيرهما ، و إنّما عرفت الخواص ذلك لاختصاصهم بأبيه ، فإن كلّ مَن يلازم قوماً يكون أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب .
وأمّا قول ابن تيميّة : وهذا لو كان موجوداً معلوماً لكان الواجب في حكم اللَّه الثابت بنصّ القرآن والسنّة والإجماع أن يكون محضوناً عند من يحضنه في بدنه كاُ مّه واُم اُ مّه ونحوهما من أهل الحضانة ، وأن يكون ماله عند من يحفظه إمّا وصي أبيه إن كان له وصي ، إمّا غير الوصي إمّا قريب و إمّا نائب لدى السلطان ، فإنّه يتيم لموت أبيه واللَّه تعالى يقول : ( وَ ابْتَلُواْ
__________________
(١) تاريخ الطبري ١: ١٦٤ ، مروج الذهب ١ : ٦٥ ، الإرشاد للمفيد ٢ : ٣٣٦ ، أعلام الورى للطبرسي ٢ : ٣٠٠ .
(٢) تاريخ الطبري ١ : ٢٧٢ ، مروج الذهب ١ : ٦١ ، كشف الغمّة ٢ : ٤٤٦ ، اعلام الورى للطبرسي ٢ : ٣٠٠ .