وليت شعري إن كان قصد الآلية فيها موجبا لكون المعنى جزئيا ، فلم لا يكون قصد الاستقلالية فيه موجبا له؟ وهل يكون ذلك إلّا لكون هذا القصد ، ليس مما يعتبر في الموضوع له ، ولا المستعمل فيه بل في الاستعمال ، فلم لا يكون فيها كذلك؟ كيف ، وإلّا لزم أن يكون معاني المتعلقات غير منطبقة على الجزئيات الخارجية ، لكونها على هذا كليات عقلية ، والكلّي العقلي لا موطن له إلّا الذهن ، فالسير والبصرة والكوفة ، في (سرت من البصرة إلى الكوفة) لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة ، لتقيّدها بما اعتبر فيه القصد فتصير عقلية ، فيستحيل انطباقها على الأمور الخارجية.
وبما حققناه يوفق بين جزئية المعنى الحرفي بل الاسمي ، والصدق على الكثيرين ، وإنّ الجزئية باعتبار تقيّد المعنى باللحاظ في موارد الاستعمالات آليا أو استقلاليا ، وكليته بلحاظ نفس المعنى ، ومنه ظهر عدم اختصاص الإشكال والدفع بالحرف ، بل يعمّ غيره ، فتأمل في المقام فإنّه دقيق ومزالّ الأقدام للأعلام ، وقد سبق في بعض الأمور بعض الكلام ، والإعادة مع ذلك لما فيها من الفائدة والإفادة ، فافهم.
رابعها : إن اختلاف المشتقات في المبادئ [١] ، وكون المبدأ في بعضها حرفة
______________________________________________________
فراجع وتأمّل. وقد ذكرنا هناك أيضا أنّ نفس الخصوصية الخارجية في مدلول المدخول ليست هي معنى الحرف ليقال إنّ الحرف لم يستعمل في شيء ، في صورة الكذب في الاخبار ، بل مدلول الحرف تلك الخصوصية بصورتها المندكّة في معنى المدخول ؛ ولذا لا يكون للحروف معان إخطارية ، فالاسم يدلّ على معنى في نفسه ، والحرف يدلّ على معنى في غيره ، والخصوصية المدلول عليها بالحرف في معنى الغير ، تصحّح اتصاف معنى المدخول بعنوان اسمي كالمبدئية.
[١] قد تقدّم أنّ النزاع في المقام في ما وضع له هيئات المشتقّات وأنّه ينطبق