فإذا عرفت ما تلونا عليك ، فاعلم أنّ الأقوال في المسألة وإن كثرت ، إلّا أنّها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدّمين ، لأجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مباديه في المعنى ، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال [١] ، وقد مرت الإشارة إلى أنّه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده ، ويأتي له مزيد بيان
______________________________________________________
وأمّا في الموارد التي لا يحرز فيها بقاء العنوان المقوّم للموضوع عرفا ، كصوم نهار شهر رمضان ، فلا يجري استصحاب الحكم فيها ، إذ الموضوع لوجوب الصوم هو نهار شهر رمضان ، والنهار مقوّم لموضوع الحكم عرفا ، فإذا شكّ في بقاء النهار بالشبهة المفهومية ، فلا يحرز اتّحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة ليجري الاستصحاب في وجوبه والأمر في أكرم العالم كذلك فإنّ عنوان (العالم) مقوّم لموضوع استحباب الإكرام ، والذي كنّا على يقين منه ، استحباب إكرام زيد بما هو إكرام عالم ، ثمّ شككنا في أنّ إكرامه بعد انقضاء علمه إكرام للعالم ليجب ، أم لا؟ فالشكّ يكون فيما هو مقوّم للموضوع ، ومعه لا يجري الاستصحاب.
وبتعبير آخر : لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية إلّا فيما إذا كان انطباق العنوان موجبا لحدوث الحكم بنظر العرف ، ويحتمل دخالة بقائه في بقاء الحكم ، أو كان المتخلّف من قبيل حالات الشيء عرفا ، فالأول كما في قوله سبحانه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) ، والثاني كما في تغيّر الماء الكثير في أحد أوصافه.
[١] كان الاختلاف في معاني المشتقات بين المتقدّمين على قولين :
أحدهما : أنّها حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ ، ومجاز في غيره ، بمعنى أنّ معاني هيئات المشتقات ضيقة لا تنطبق إلّا على الذات المتلبّسة بالمبدإ ، وهذا
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤.