.................................................................................................
______________________________________________________
الملاك في اختيارية افعال العباد :
وبالجملة ما ذكروه من قاعدة «عدم إمكان حدوث شيء إلّا عن علّة تامّة» و «أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد» لا تجري في الأفعال الاختيارية ، حيث إنّ المعلول وجوده ترشحي ، أو انفعال بالخاصيّة ، بخلاف الفعل الاختياري ، فإنّ قدرة الفاعل على أمر لا تتحقّق إلّا إذا تساوى طرفاه من الفعل أو الترك بالإضافة إلى الفاعل ، فلو لم يكن الفاعل متمكّنا على كلّ من إيجاده وتركه قبل أن يصدر منه الفعل ، لما كان في البين قدرة ، بل كان جبر واضطرار ، حتّى بالإضافة إلى الواجب (جلّ علا) ، حيث إنّه بقدرته الذاتية يختار كون الشيء فيوجد ، بلا فرق بين تعلّق إرادته بالوجود عن طريق المقدمات الإعدادية أو بدونها.
والحاصل إمكان صدور الفعل عن الفاعل بالاختيار لا يحتاج إلى غير قدرته عليه ، نعم العاقل لا يصرف قدرته فيما لا يعنيه وما ليس له فيه صلاح ، بل يصرفها على أحد طرفي الشيء لغرض ، من غير أن يكون ترتّب الغرض على ذلك الطرف موجبا لسلب قدرته عن الطرف الآخر ، وبتعبير آخر : يكون ترتّب الغرض على أحد طرفي الشيء مرجّحا لذلك الطرف على الآخر ؛ ولذا يسمّى إعمال القدرة وصرفها في أحد طرفي الشيء اختيارا ؛ لأنّ الإنسان يأخذ بما فيه الخير ، وقد اعترف الماتن قدسسره في بحث التجرّي (١) ببعض ما ذكرناه ـ من كون اختيارية الفعل بالتمكّن من عدمه ـ حيث ذكر أنّ بعض مبادئ اختيار الفعل اختيارية ، لتمكّنه من عدمه بالتأمّل فيما يترتّب عليه ، فراجع.
__________________
(١) كفاية الأصول : ص ٢٦٠.