لا وجه له ، فإنّ المستحيل إنّما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإيقاعي ، الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة ، كما عرفت ، ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإيقاعية الإنشائية أيضا ، لا لإظهار ثبوتها حقيقة ، بل لأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإنكار أو التقرير إلى غير ذلك ، ومنه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا.
______________________________________________________
والداعي إلى إنشائه قد يكون قصد الفهم ، فيكون استفهاما حقيقيا ، وقد يكون حصول الإقرار ممّن توجّه إليه طلبه أو الإنكار أو غير ذلك ، فيكون إقرارا أو استفهاما إنكاريا أو غير ذلك ، وعليه فلا وجه للالتزام بأنّ هذه الصيغ إذا استعملت في كلامه (تعالى) تنسلخ عن معانيها الموضوعة لها ؛ لاستحالة مثل هذه المعاني في حقّه (تبارك وتعالى) التي تستلزم العجز والجهل ؛ وذلك لأنّ الصيغ لم توضع للحقيقي من معانيها ، بل الموضوع له فيها الإنشائي منها ، غاية الأمر الداعي إلى إنشائها قد يكون غير ثبوتها حقيقة حسب ما يقتضيه الحال.
أقول : يمكن أن يقال : إنّ أداة التمنّي والترجّي وضعت لإظهار الصفة النفسانية (أي إظهار ثبوتها) وأنّ التمنّي يطلق على هذا الإظهار ، إلّا أنّ إبراز ثبوتها قد يكون لثبوتها واقعا ، فيكون تمنّيا وترجّيا حقيقة ، وقد يكون الإظهار لغرض آخر من طلب الفعل ونحوه.
وإن شئت التوضيح فلاحظ الجمل الخبرية في موارد الكنايات ، فإنّها موضوعة لإظهار ثبوت محمولاتها لموضوعاتها ولكنّ الإظهار تارة يكون لحكاية الثبوت الواقعي ، وأخرى لثبوت أمر آخر ، حيث إنّ قول القائل (زيد كثير الرماد) لا يكون لغرض الحكاية عن ثبوت مدلول الجملة واقعا ، بل لغرض ثبوت ما يلازم مدلولها.