تلك الموارد ، فإنّ الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها ، فإنّ الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ، ليس إلّا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية ، بحسب ما يكون فيها من المقتضيات ، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الامارات ، وإنّما المنفي فيها ليس إلّا الحكم الفعليّ البعثيّ ، وهو منفي في غير موارد الإصابة ،
______________________________________________________
فالقائل بعدم الإجزاء متّفق مع القائل بالإجزاء على عدم الفعلية في التكليف الواقعي في مورد الأصل أو ظرف قيام الأمارة فيما لو خالفا الواقع ، والفرق أنّ الأوّل يقول بصيرورته فعليّا بعد انكشاف الخلاف ويلزم التدارك ، والقائل بالإجزاء يقول بأنّه لا يصير فعليّا ؛ إمّا لحصول الملاك ، أو لعدم إمكان استيفاء الباقي ، وعليه فكيف يكون الإجزاء موجبا للتصويب ، أي خلوّ الواقعة عن الحكم ، وأن لا يكون في حقّ الجاهل حكم غير مؤدّى الأمارة ومفاد الأصل ، مع أنّ الجهل بخصوصية الواقعة أو بأصل حكمها موضوع لاعتبار الأمارة والأصل ، وما دام لم يفرض أنّ في الواقعة حكما لا يتم الموضوع للأصل أو لاعتبار الأمارة.
أقول : التصويب تارة يكون باختصاص الأحكام الشرعية والتكاليف الواقعية بالعالمين بها ، بأن يكون المجعول الواقعي قاصرا عن الشمول للجاهلين بها ولا يكون في حقّ غير العالمين إلّا مقتضى الأصل أو مدلول الأمارة ، وهذا النحو من التصويب منسوب إلى الأشعري ، ولازمه أخذ العلم بالحكم في موضوع ذلك الحكم ، وأخرى بأن يكون الحكم المجعول في الوقائع بنحو الاقتضاء ، يعني اعتبر التكليف والحكم في حقّ المكلّف مطلقا ما لم يكن مقتضى الأصل أو الأمارة على خلافه ، ومع مخالفة مقتضاهما له يكون الحكم الثابت هو مقتضى الأصل أو مدلول الأمارة ، وهذا النحو من التصويب منسوب إلى المعتزلي ، والإجزاء المتقدّم في بعض الأصول العملية