قلت : يمكن أن يقال : إنّه يكفي تعدد الدالّ والمدلول اعتبارا ، وإن اتحدا ذاتا ، فمن حيث إنّه لفظ صادر عن لافظه كان دالّا ، ومن حيث إنّ نفسه وشخصه مراده كان مدلولا ، مع أنّ حديث تركّب القضية من جزءين ـ لو لا اعتبار الدلالة في البين ـ إنّما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه ، وإلّا كان أجزاؤها الثلاثة تامّة ، وكان المحمول فيها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه ، غاية الأمر أنّه نفس الموضوع ، لا الحاكي عنه ، فافهم ، فإنّه لا يخلو عن دقة.
______________________________________________________
أقول : أمّا الجواب الأوّل فهو لا يفيد شيئا ؛ لأنّ الكلام في المقام في الدلالة اللفظية واستعمال اللفظ ، بأن يكون خطور اللفظ إلى ذهن السامع أوّلا ، وخطور معناه بتبعه ثانيا ، ولو ببركة القرينة ، وهذه الدلالة تحتاج إلى تعدّد اللفظ والمعنى حقيقة ، وأمّا دلالة صدور اللفظ من لافظه على إرادة اللافظ ذلك اللفظ ، فهي دلالة عقلية ، فإنّ اللفظ في كل مورد صدر من متكلّم عاقل ، يكون كاشفا عقلا عن تعلّق إرادة اللافظ ولحاظه به ، ولا يختصّ ذلك بالتلفّظ بل يجري في كلّ فعل صادر عن فاعل مختار ، فيكون صدوره كاشفا عن تعلّق قصد فاعله به ولحاظه إيّاه ، وأين هذا من الدلالة اللفظية وإحضار المعنى إلى ذهن السامع بتبع إحضار اللفظ؟
وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يمكن المساعدة على ما ذكر المحقّق الاصفهاني قدسسره في المقام في توجيه كفاية التعدّد الاعتباري بين الدالّ والمدلول ، من أنّ التضايف بين الشيئين لا يقتضي التقابل بينهما مطلقا بأن يكون لكلّ من المتضائفين وجود مستقل ، بل التقابل ينحصر بالموارد التي يكون بين الشيئين تعاند وتناف في الاتّحاد ، كما في العلّية والمعلولية والأبوّة والبنوّة ، لا في مثل العالمية والمعلومية والمحبيّة والمحبوبية ، فإنّ النفس من كلّ إنسان عالمة ومعلومة لها ، ومحبّة لها ومحبوبة لها ، والدلالة ـ أي كون الشيء دالّا ومدلولا ـ من هذا القبيل ؛ ولذا ورد في