وقد عرفت بما لا مزيد عليه ، أن العقل الحاكم بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة ، لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب ، فيما لم يكن هناك مانع عن وجوبه ، كما إذا كان بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة ، لثبوت مناط الوجوب حينئذ في مطلقها ، وعدم اختصاصه بالمقيد بذلك منها.
وقد انقدح منه ، أنه ليس للآمر الحكيم الغير المجازف بالقول ذلك التصريح ، وأن دعوى أن الضرورة قاضية بجوازه مجازفة ، كيف يكون ذا مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت أصلا؟ كما عرفت.
نعم إنما يكون التفاوت بينهما في حصول المطلوب النفسي في إحداهما ، وعدم حصوله في الأخرى ، من دون دخل لها في ذلك أصلا ، بل كان بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره ، وجاز للآمر أن يصرّح بحصول هذا المطلوب في إحداهما ، وعدم حصوله في الأخرى ، بل من حيث إن الملحوظ بالذات هو هذا المطلوب ، وإنما كان الواجب الغيري ملحوظا إجمالا بتبعه ، كما يأتي أن وجوب المقدمة على الملازمة تبعيّ ، جاز في صورة عدم حصول المطلوب النفسي
______________________________________________________
الغيري ـ هو حصول ما لولاه لما أمكنت الصلاة من طهارة الثوب مثلا ، وهذا الملاك مترتّب على نفس الغسل ، صلّى المكلّف بعد غسله أم لا ، فتصريح الآمر في فرض عدم حصول الصلاة بعدم حصول مطلوبه ، فهو بلحاظ مطلوبه النفسي ، لا مطلوبه الغيري ، ولذا يصحّ التصريح حينئذ بحصول مطلوبه الغيري مع عدم فائدته.
لا يقال : حصول الصلاة ـ مثلا ـ وتركها ، وإن كان لا يوجبان تفاوتا في ناحية الملاك والأثر المترتّب على غسل الثوب ، إلّا أنّه يؤثّر في اتّصاف الغسل بالمطلوبية إذا كان موصلا إلى الصلاة بعده ، وعدم اتصافه بها مع تركها ، ويؤثّر أيضا في جواز تصريح الآمر بمطلوبية الغسل غيريا في الأوّل دون الثاني.