وتحقيق المقام : أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين ، ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر [١] ، ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فالدلالة على كل منهما إن كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة ، أو بالوضع ، فلا يكون هناك عموم ، ولا مفهوم ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة ، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك ، فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم ، إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر ، وإلّا كان مانعا عن انعقاد الظهور ، أو استقراره في الآخر.
ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم ، ذاك الارتباط والاتصال ، وأنه لا بد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل ، لو لم يكن في البين أظهر ، وإلّا فهو المعول ، والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.
______________________________________________________
تخصيص العام بمفهوم المخالفة
[١] وحاصله أنّه قد يكون العام والمنطوق الذي له مفهوم المخالفة في كلام أو في كلامين متصلين بحيث يعدّان خطابا واحدا كقوله سبحانه وتعالى. (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١) حيث إنّ مدلول التعليل عدم جواز الاعتماد على غير العلم ، سواء كان غير العلم خبر العادل أم غيره ، ومفهوم الشرطية ـ على القول به ـ اعتبار خبر العدل كان مفيدا للعلم أم لا ، وكانا على نحو يصلح أن يكون كلّ منهما قرينة للتصرف في الآخر ، فاذا كان كلّ من المفهوم والعموم مستفادا من الإطلاق ، ففي مثله لا يتم شيء من الإطلاقين لا في المفهوم
__________________
(١) سورة الحجرات : الآية ٦.