ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ [١] ، فاعلم أن النسخ وإن كان رفع الحكم الثابت إثباتا ، إلّا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا ، وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره ، أو أصل إنشائه وإقراره ،
______________________________________________________
إذا كان الخاص متأخّرا عن العام وصادرا بعد حضور وقت العمل بالعام وكان مخصّصا للعام ولو بإطلاقه بأن كشف عن ثبوت مدلوله من الأول ومن حين ورود العام لوقعت المعارضة بين ظهوره وظهور العام في ثبوت حكمه لجميع الأفراد ، فيتساقطان ومع تساقط الظهورين يكون المرجع هو الأصل العملي فتارة يكون مقتضاه موافقا للتخصيص كما إذا كان مفاد العام حكما إلزاميا مثل وجوب إكرام العلماء ، وكان مفاد الخاص حكما ترخيصيا مثل : عدم وجوب إكرام زيد العالم ، وأخرى يكون مقتضاه موافقا للنسخ كما إذا كان مفاد العام حكما ترخيصيا ، مثل : عدم وجوب إكرام العلماء وكان مفاد الخاص حكما إلزاميا مثل : وجوب إكرام زيد ، حيث مقتضى أصالة البراءة هو عدم وجوب إكرام زيد إلى زمان ورود الخاص فينتج النسخ (١). لا يمكن المساعدة عليه ، لما ذكرنا أنّ الخاص قرينة عرفية على المراد من العام ، تأخّر عن العام أو تقدّم عليه ، والتأخير عن زمان الحاجة لا يكون قرينة على النسخ لأنّ البيان قد يتأخّر لمصلحة في تأخيره على ما تقدّم.
حقيقة النسخ
[١] لا يخفى أنّ النسخ بمعناه الحقيقي بالإضافة إلى الأحكام هو إلغاء الحكم المجعول ، نظير الفسخ في المعاملة بعد عقدها ، ولا يتصور النسخ بهذا المعنى حقيقة ، ممّن لا يتصوّر في حقّه الجهل بجهات الفعل ، دون من يمكن في حقّه الجهل
__________________
(١) نهاية الأفكار ١ / ٥٥٧.