وأما البداء في التكوينيات [١] بغير ذاك المعنى ، فهو مما دل عليه الروايات المتواترات ، كما لا يخفى ، ومجمله أن الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه ، لحكمة داعية إلى إظهاره ، ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به ، مع علمه بأنه يمحوه ، أو مع عدم علمه به ، لما أشير إليه من عدم الإحاطة بتمام ما جرى في علمه ، وإنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الإلهام لارتقاء نفسه الزكية ، واتصاله بعالم لوح المحو والإثبات اطلع على ثبوته ، ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع ، أو عدم الموانع ، قال الله تبارك وتعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الآية ، نعم من شملته العناية الإلهية ، واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية ، وهو أم الكتاب ، يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها ، كما ربما يتفق لخاتم الأنبياء ، ولبعض الأوصياء ، كان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون.
______________________________________________________
وإن جعله الماتن قدسسره وغيره ممن تبعه من قسم الحكم ، وما كان من الترديد في كلامه من ابتناء وقوع النسخ على إمكانه قبل حضور وقت العمل كان يريد هذا المعنى من النسخ ، وقد ذكرنا أنّه ليس من قسم الحكم حقيقة ليقال إنّه نسخ ، بل هو إنشاء صورة الحكم بحيث يتراءى للمخاطب أنّه حكم واقعي ثم حين النسخ يكشف عن حقيقته.
حقيقة البداء في التكوينيات
[١] قد ذكر الماتن قدسسره انّ البداء في التكوينيات مما ثبت وقوعه بالروايات المتواترة والمراد منه ليس تغيّر إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته لما تقدّم من امتناعه على الله سبحانه وتعالى بل المستفاد من تلك الأخبار وجهان :
أوّلهما : أنّ الله سبحانه وتعالى قد يكشف لنبيّه أو وليّه (صلوات الله وسلامه عليهما) وقوع شيء يمحوه فيوحى أو يلهم إليهما أن يخبرا وقوع ذلك الشيء مع علمهما بعدم