ومن هنا انقدح أنه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيا ، ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا ، فلا حرمة في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك ، بل إراقتهما كما في النص ، ليس إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية ، إما بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولى ، وعدم استعمال مطهر بعده ، ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى.
نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها ، وإن علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالا ، فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.
______________________________________________________
الحرمة على احتمال الوجوب في جميع موارد تردّد حكم الفعل بينهما ، ولو بني أنّه لا يعتبر الجزم أو الوثوق بل يكفي مجرّد الظن بالكبرى فلا يحصل الظنّ بها من مثل مورد أو موردين.
ثانيا : أنّ المثالين ليسا من تقديم احتمال الحرمة على احتمال الوجوب ، فإنّ الحكم على المرأة بترك عبادتها إنّما هو لقاعدة الإمكان في الدم المفروض واستصحاب بقاء حيضها ، وهذا بناء على كون حرمة الصلاة على الحائض ذاتية ، وأمّا بناء على كونها تشريعية فلا بأس بالصلاة ، لاحتمال طهرها بالاستحاضة ولا تكون في صلاتها كذلك احتمال الحرمة أصلا ، وبذلك يظهر الحال في الوضوء بماءين اشتبه طاهرهما بنجسهما حيث لا حرمة في الوضوء بالماء المتنجّس إلّا تشريعا ، ولا تشريع في الوضوء مع احتمال طهارة الماء ، كما إذا توضّأ بأحدهما أوّلا ثمّ غسل أعضاء وضوئه بالماء الثاني وتوضّأ به ثانيا ، فإنّه يحرز وضوئه بالماء الطاهر ، فالحكم عليه بإراقة الماءين والتيمّم لصلاته إنّما لأجل التعبّد أو لئلّا يبتلى في بدنه