ما برحت حياة النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم موضع عناية الدارسين من أبعاد مختلفة ، وبقدر ما عُبئ للموضوع من أهبة واستعداد ، ومنهجية في أغلب الأحيان ، فما تزال هناك بقية للبحث ، فقد تنقصنا كثير من الوثائق عن حياته الروحية قبل البعثة ، وصلتها بحياته العامة والخاصة بعد البعثة.
هناك شذرات متناثرة في كتب السيرة والتأريخ والآثار ، تتعلق بحياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هامشياً ، تتخذ مجال الثناء والأطراء حيناً ، وتتسم بطابع الحب والتقديس حيناً آخر ، وهي مظاهر لا تزيد من منزلة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذاتية ، ولا تكشف عن مكنونات مثله العليا ، ذلك باستثناء الإجماع على عزلته في عبادته وتحنثه ، والاقتناع بصدقه وأمانته ، وهي شذرات غير غريبة في أصالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الكريمة ، وتقويمه الخلقي الرصين.
وتطالعنا ـ احياناً ـ أحداث في تأريخ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة ، لها مداليل من وثاقة ، ورجاحة من عقل ، كالمشاركة الفاعلة في حلف الفضول ، وتميزه بالدفاع عن ذوي الحقوق المهتضمة ، وكاللفتة البارعة في رفع الحجر الأسود ، ووضعه بموضعه من الكعبة اليوم ، بما أطفأ به نائرة ، وأخمد فتنة.
وهناك انفراده عن شباب عصره بالحشمة والاتزان ، وهو في شرخ الصبا وعنفوان العمر ، والتأكيد على الخلوة الروحية بين جبال مكة وشعابها ، وفي غار حراء بخاصة ، والحديث عن تجواله في سفرتين تجاريتين ، لا يفصح كثيراً عن ثمرة تجربتهما النفسية ، ولا يعرف صدى مشاهداتهما روحيا واجتماعياً.