« أن ينقل عن الثقات إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعاً ، ويكون موافقا لخط المصحف » (١).
ومع هذا نجد الداني جدياً في مسألة القراءة ، إذ يعتبرها سنة لا تخضع لمقاييس لغوية ، وإنما تعتمد الأثر والرواية فحسب ، فلا يردها قياس ، ولا يقرّبها استعمال فيقول :
« وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة ، والأقيس في العربية ، بل على الأثبت في الأثر ، والأصح في النقل وإذا ثبتت الرواية لم يردّها قياس عربية ، ولا فشو لغة ، لأن القراءة سنة متبعة ، يلزم قبولها والمصير إليها » (٢).
وما أبداه الداني لا يخلو من نظر أصيل ، إذ القراءة إذا كانت متواترة صحيحة السند ، فهي تفيد القطع ، ولا معنى لتقييد القطع بقياس أو عربية ، فالعربية إنما تصحح في ضوء القرآن ، ولا يصحح القرآن في ضوء العربية ، ومع هذا فإن الإجماع القرائي يكاد أن يكون متوافرا على اشتراط صحة السند ، ومطابقة الرسم المصحفي ، وموافقة اللغة العربية ؛ لهذا تختلف النظرة بالنسبة للقراءة في ضوء تحقق هذه الشروط أو عدمه ، وقد نتج عنه تقسيم القراءات إلى صحيحة وشاذة ، فما اجتمعت فيه من القراءات هذه الشروط فهو الصحيح ، وما نقص عنه فهو الشاذ.
وفي هذا الضوء ولد ـ في عهد ابن مجاهد ـ مقياسان آخران ، وماتا في مهدهما ، لعدم تلقي المسلمين لهما بالقبول ، ولرفضهم لهما ، وهما :
مقياس ابن شنبوذ ( ت : ٣٢٧ ه ) الذي اكتفى فيه بصحة السند وموافقة العربية.
ومقياس ابن مقسم ( ت : ٣٥٤ ه ) الذي اكتفى فيه بمطابقة المصحف وموافقة العربية (٣).
وقد تحرر للسيوطي مع المقارنة فيما كتبه ابن الجزري في النشر ، أن القراءات أنواع :
__________________
(١) مكي ، الإبانة : ١٨.
(٢) السيوطي ، الاتقان : ١ / ٢١١.
(٣) ظ : الفضلي ، القراءات القرآنية : ٣٩ وانظر مصدره.