بمناقشتها ، إذ لا تختلف عما تقدم إملاها الكذب والاستهانة بمقدرات الكتاب العظيم. وجميعها لا يشكل دليلاً واحداً مقنعاً على دعوى التحريف.
وفي نهاية هذا الجانب نشير أن صاحب كتاب المباني قد عقد فصلاً قيماً في مقدمته بعنوان الفصل الرابع : ( في بيان ما ادعوا على المصحف من الزيادة والنقصان والخطأ والنسيان والكشف عنها بأوجز بيان ).
وقد تتبع فيه هذا الباب تتبعا إحصائيا وفند فيه مزاعم التحريف (١).
رابعا : الاتهامات ، يبدو أن العصر العباسي الأول قد اختار لدوافع سياسية أن ينمي روح التفرقة والخلاف بين مختلف المسلمين ، وأن يخلق من قضايا جزئية متواضعة أمورا كلية مهمة ، فنشأ عن ذلك القول بخلق القرآن بين قدمه وحدوثه ، وما جر ذلك من الولايات بين المسلمين على أنها قضية فكرية ، ويومها وجدنا التيارات تتقاذف بالآراء على السطح ، لتصم هذا بالكفر تارة ، وغيره بالنفاق تارة أخرى ، وسواهما بالزندقة احياناً ، ونشأت هذه البذرة الخبيثة بين صفوف المسلمين ، ووجدت لها مناخا صالحا في تربة العصر العباسي الثاني ، حيث عمّق الفرقة ، وعصف بالوحدة ، فكانت الاتهامات المتبادلة تحبك بالظلام فتلقي بجرانها بين المسلمين ، فينقض هذا ما أبرم ذلك ، ويردّ ذلك على اتهامات ذه.
وقد وجدت مسألة القول بالتحريف من هذه المسائل ، إذ استثنينا القول بنسخ التلاوة ، فكل طائفة من المسلمين تنزه نفسها عن القول بها ، وبعض المذاهب تنسب القول بها إلى البعض الآخر ، وبالنتيجة تجد الجميع يبرؤون منها ، وهذا هو الصحيح.
فالقاضي ابو بكر الباقلاني ( ت : ٤٠٣ ه ) يكيل في نكت الانتصار السباب والتهم دون حساب لشيعة أهل البيت عليهمالسلام في القول بالزيادة والنقصان وعقد لذلك عدة أبواب (٢) من كتابه لا تقوم على أساس علمي على الإطلاق ، ولا تخدم القرآن ولا المسلمين في كل الأحوال.
__________________
(١) مقدمتان في علوم القرآن : ٧٨ ـ ١١٦.
(٢) ظ : الباقلاني ، نكت الانتصار : ٩٥ ـ ٢٠٣ + ٢٣٩ ـ ٢٤٢ وغيرها.