وفيه ـ إذا صح ـ تفريق بين الوحي المباشر ، وهو جبرائيل عليهالسلام ، وبين ما أشار إليه من المبشرات التي يبدو أنها غير الوحي الذي يريده الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث .
وقد يكون الوحي بملحظ آخر عاماً بين جميع الأنبياء والرسل ، وقد يكون خاصاً بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما كان عاماً يكون مشتركاً بينه وبين الأنبياء والمرسلين لأنه أحدهم بل سيدهم ، وما كان خاصاً ينفرد به وحده .
فالأول : كقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) ) (١) .
ويبدو أن هذا الوحي يشتمل على جميع أقسام الوحي وكيفياته ، ولا يختص بالإيحاء بمعناه الدقيق ، لأن الإيمان بالوحدانية فِطرةٌ إنسانية تحتمها طبيعة العقل السَّوي ، والأنبياء بعامة يتمتعون بهذه الفطرة نفسياً وعقلياً .
قال الراغب الأصبهاني ( ت : ٥٠٢ هـ ) : « فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه ، وذلك أن معرفة وحدانية الله تعالى ، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل ، بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع ، فإذن المقصود من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ، ووجوب عبادته » (٢) .
والثاني : ما هو مختص بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحده ، كالأمر له في قوله تعالى : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ . . . (١٠٦) ) (٣) .
وكإخباره عن نفسه ، محكياً بقوله تعالى :
( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٩) ) (٤) وكالطلب إليه بقوله تعالى :
__________________
(١) الأنبياء : ٢٥ .
(٢) الراغب ، المفردات : ٥١٦ .
(٣) الأنعام : ١٠٦ .
(٤) الاحقاف : ٩ .