نزل القرآن بأرقى صور الوحي ، وتأريخ نزوله يمثل تأريخ القرآن في حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو تأريخ يستغرق ثلاثة وعشرين عاماً (١) .
هذه الحقبة الذهبية هي تأريخ الرسالة المحمدية في عصر صاحب الرسالة ، والعناية بها منبثقة عن عناية الوحي بصاحبها ، وبتواجده معه ، يحمله العبء حيناً ، ويلقي له بالمسؤولية حيناً آخر ، ويتناول عليه بآيات الله بين هذا وذاك .
وكان نزول القرآن مدرجاً ، وتفريقه منجماً ، مما أجمعت عليه الأمة ، وصحت به الآثار الاستقرائية ، استجابة للضرورة الملحة ، واقتضاءً للحكمة الفذة في تعاقب التعليمات الإلهية ، يسراً ومرونة واستيعاباً .
والذي يهمنا في هذه المرحلة ، عطاؤها الإنساني في ضبط النص القرآني ، ودقة أصوله ووصوله من ينابيعه الأولى ، وهو موضوع البحث .
يكاد أن يتوافر لنا اقتناع نطمئن إليه بأن أوائل سورة العلق : هو أول ما نزل من القرآن .
ومنشأ هذا الاقتناع تأريخي وعقلي ، أما التأريخي فمصدره إجماع
__________________
(١) هنالك عدة أقوال في مدة نزول القرآن ؛ فقيل : عشرون ، أو ثلاث وعشرون ، أو خمس وعشرون سنة . وهو مبني على الخلاف في مدة إقامته صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة بعد النبوة ؛ فقيل عشر سنوات ، وقيل ثلاث عشرة ، وقيل خمس عشرة سنة . ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة إنها عشر . ( ظ : الزركشي : ١ / ٢٣٢ ) فإذا علمنا أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة ، وتوفي وعمره ثلاث وستون سنة ، ترجح أن تكون مدة الوحي ثلاثة وعشرين عاماً .