وأمّا التجزّي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام :
الأوّل : في إمكانه [١]. وهو وإن كان محل الخلاف بين الأعلام إلّا أنه لا ينبغي الارتياب فيه ، حيث كانت أبواب الفقه مختلفة مدركا ، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة ، عقلية ونقلية ، مع اختلاف الأشخاص في الاطلاع عليها ، وفي طول الباع وقصوره بالنسبة إليها ، فرب شخص كثير الاطلاع وطويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات ، وليس كذلك في آخر لعدم مهارته فيها وابتنائه عليها ، وهذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع صعوبته ، مع عدم القدرة على ما ليس
______________________________________________________
التجزّي في الاجتهاد
[١] قد قيل بعدم إمكان التجزّي في الاجتهاد أي في ملكة الاجتهاد ، فالتجزّي في الاجتهاد بمعنى ان تستنبط بعض الأحكام من مداركها ويترك استنباط بعضها الآخر فإمكانه بل وقوعه ممّا لا كلام فيه ، وموضوع البحث في المقام أن يكون الشخص له اقتدار على استنباط بعض الأحكام من مداركها كالمجتهد المطلق ، وليس له اقتدار على استنباط جملة اخرى ، فهذا هو الذي قيل بعدم إمكانه ، لكون ملكة الاستنباط والاقتدار عليه أمر بسيط كسائر الملكات ، فلا يقبل التبعّض كما هو مقتضى بساطة الشيء ، ولكن ضعفه ظاهر ، فإنّ مسائل الفقه وأبوابها مختلفة بحسب المدارك ، والمدارك تختلف بحسب السهولة والصعوبة ، فربّ مسألة يكون المدرك فيها رواية أمر سندها ودلالتها مما لا صعوبة فيه ، بخلاف بعض المسائل الاخرى ، فإنّه ربّما تكون الروايات الواردة فيها متعدّدة مختلفة يحتاج إحراز تعارضها أو الجمع العرفيّ بينها إلى كثرة الخبرة والانس بالخطابات الشرعيّة والروايات والتأمّل في المداليل ، وقد تكون مسائل فيها استنباط الأحكام محتاجا إلى ضمّ مقدّمة أو