بالتقديم والتأخير ، أو بغير ذلك ، حافظت القرائن اللفظية والمعنوية على سلامة التركيب فيه وانتظام معناه.
إنّ الثابت في الأحكام النحوية أنّ العدول بالتراكيب عن الترتيب الأصلي يوجب تغيّراً في الأحكام وفي المعنى ، وإنّ مثل هذا التغيير يُوجب عدم تفويت الفائدة من التقديم ، وإلاَّ لَذَهَبَ رونق الكلام ، وفاتت قيمته الجمالية والتأثيرية في المقابل ، ولَخَاَلَفَتْ مقتضى الحال الذي سِيقَ من أجله ، فإباحة تحرُّك بعض أجزاء الكلام لا بدَّ له من مسوغ يشفع له ؛ لذلك قيل إنّ الأصل الجاري في التقديم والتأخير يكون لسبب العناية والاهتمام بالمُقدَّم.
وأوّل من أشار إلى عادة العرب في التقديم والتأخير مع بيان السبب سيبويه (ت١٨٠ هـ) ، بقوله :) (كأنّهم إنَّما يقدّمون الذي بيانه أهمُّ لهم ، وهم ببيانه أعنى ، وإن كانا جميعاً يُهِمّانِهم ويَعْنِيانهم»(١) ، فهو يرى تساوي أجزاء الكلام في الأهمّية ، لكن ما يهمّهم بيانه يقومون بتقديمه ، ولكن ليس على حساب اللفظ المؤخَّر ؛ لأنَّه هو الآخر موضع عنايتهم واهتمامهم ، ولكن إنْ أُريد زيادة الاهتمام بجزء من دون آخر ، يقدَّم في الكلام على غيره ؛ لذا قال الجرجاني : «اعلم أَنَّا لم نَجدْهُم اعْتَمدوا فيه شيئاً يَجري مَجرى الأَصْل ، غيرَ العنايةِ والاهتمامِ»(٢) ، فالعناية بالمقدّم من أبرز غايات التقديم ، وتتحصَّل من سياقات عدَّة.
__________________
(١) كتاب سيبويه ١ / ٣٤.
(٢) دلائل الإعجاز ١ / ١٠٧٠.