إنّ التقديم والتأخير يضفي دلالة الاخْتِصَاص(١) ، ولكثرته في الكلام العربي قيل : «كَادَ أَهْلُ الْبَيَانِ يُطْبِقُونَ على أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ سَوَاءٌ كَانَ مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَوْ مَجْرُوراً»(٢).
وقد استقرى البحث مواضع كثيرة للتقديم والتأخير في نصوص كلام الإمام المجتبى عليهالسلام ، واستنتج من ذلك أنّ الذي طغى عليها هو تقديم شبه الجملة من الظرف والجار والمجرور ، لذا سأعرض لأمثلة من ذلك التقديم الذي يُراد به الاختصاص ، فمنه تقديم الظرف على متعلقه في قول الإمام عليهالسلام : «وعندنا ما نزلت به رسله»(٣) ، بتقديمِ الظرفِ (عندنا) دلالة على تخصيصِ وجود ذاك الشيء الذي نزلتْ به الرسل(٤) ، أي إنّهم مستودع خزائن الأنبياء عليهمالسلام ، فجَمَعَ ـ تعالى ـ لهم كلّ ما خَصَّ به أنبياءه السابقين ، فشرَّفَهم وَحْدَهم بجميعِ فضائلِ النبيّين المُقرَّبينَ من الصُحُفِ الإِلهيَّة ، والكتب السماويَّة ، والعلوم الرَّبَانيَّة ، والمواريث القُدْسِيَّة ، فالتقديم هنا لتوجيه الأذهان اِلى مكان وجود هذه الكرامات ـ التي عندهم ـ لا إِلى هذه الكرامات بعينها ، فلم يعدِّدها ؛ بل عبَّر عنها بـ : (ما نزلت) ؛ لأنّ سياقَ الكلامِ ليسَ معقوداً عليها بالدرجة الأولى ، بل على مكانِ وجودها.
وفي هذا المعنى نفسه الذي يراد به بيان فضائل آل البيت عليهمالسلام ، يرد
__________________
(١) ينظر : البرهان في علوم القرآن ٣ / ٢٣٦.
(٢) ينظر : الإتقان في علوم القرآن ٣ / ١٧٤.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٩٠.
(٤) ينظر : اللمع في العربية : ٥٦.